اهتز المشهد الجامعي والسياسي في المغرب على وقع واحدة من أضخم قضايا الفساد الأكاديمي في السنوات الأخيرة، بعدما أوقفت السلطات أستاذًا بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر بأكادير، يُدعى (أ.ق)، وهو أيضًا قيادي بارز في حزب الاتحاد الدستوري، بتهم تتعلق بـ الاتجار في الشهادات الجامعية والسمسرة في مباريات التوظيف.
وأفادت مصادر مطلعة أن الأستاذ المتهم أُودع السجن المحلي الأوداية بمراكش، بعد إحالة ملفه على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال، الذي أمر بمتابعته في حالة اعتقال، في وقت وُضع فيه ستة متهمين آخرين تحت المراقبة القضائية، بينهم زوجته المحامية، ونجلُه المحامي المتمرن، وعدد من المحامين والأساتذة الجامعيين.
8 مليارات سنتيم في حساب زوجة الأستاذ تثير الشبهات
ووفق ما أوردته صحيفة “الأخبار”، فإن التحقيقات التي قادتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بتعليمات من النيابة العامة بمراكش، كشفت عن رصيد مالي صادم يبلغ حوالي 8 مليارات سنتيم في حساب زوجة الأستاذ، وهي محامية، ما يُعزز الشبهة بوجود تبييض أموال متأتية من عمليات ممنهجة لبيع الشهادات والتلاعب بالمباريات الجامعية.
وتعود بداية تفكيك خيوط هذه القضية إلى صيف 2021، عقب توقيف موثق متهم باختلاس ودائع، كشف للمحققين أنه حصل على شهادة ماستر دون حضور ولا امتحان، مقابل 25 مليون سنتيم، من الأستاذ الجامعي المتهم، ما فجّر قضية وصفتها مصادر قضائية بأنها “جبل جليد” بدأ في الذوبان فقط.
نظام موازي لبيع الشهادات والولوج الانتقائي
وتُشير المعطيات الأولية إلى أن القضية لا تتعلق بحالات فردية معزولة، بل بشبكة منظمة داخل كلية الحقوق، كانت تُدير “نظامًا موازيًا” يشمل بيع الشهادات العليا، وتدخلاً مباشراً في لوائح التسجيل والتوظيف، وتوصيات مُعلّبة للنجاح، مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وقالت مصادر مطلعة، إن التحقيقات كشفت عن تسجيلات غير قانونية في برامج الماستر، وغياب ملفات حضور، واعتماد وساطات مالية موثقة، في ما يشبه “الماستر على المقاس”، مما يُعيد طرح سؤال النزاهة الأكاديمية وجدوى منظومة الانتقاء الجامعي بالمغرب.
الشق السياسي: الصمت يخيّم على الاتحاد الدستوري
وإلى جانب الهزة الأكاديمية، تلقي القضية بظلال ثقيلة على حزب الاتحاد الدستوري، حيث أن الأستاذ الموقوف يُعد منسقه الإقليمي في أكادير، ووجهاً بارزاً فيه. ورغم خطورة الاتهامات، يواصل الحزب التزام الصمت الرسمي، في وقت يتصاعد فيه الضغط السياسي والإعلامي بشأن مدى علم قياداته بممارسات أحد أطره البارزين.
وتُرجح مصادر أن تمتد التحقيقات إلى أطراف أخرى داخل الجامعة أو في الوزارة الوصية، لاسيما مع إغلاق الحدود وسحب جوازات سفر عدد من المتهمين، ضمن إجراءات احترازية تؤشر على طبيعة القضية المركبة، وتعدد المتورطين المحتملين.
ملف مفتوح على مزيد من التداعيات
مصدر مقرب من التحقيقات كشف أن ما تم اكتشافه حتى الآن “لا يمثل سوى الجزء الظاهر من شبكة فساد معقدة، استخدمت نفوذها الأكاديمي والحزبي لتقنين أنشطة غير قانونية تمتد لسنوات”. وأوضح أن “تتبع المسارات المالية، وتحليل التحويلات البنكية، هو ما أسقط الستار عن منظومة من الريع الجامعي والزبونية المقنعة“.
ومع دخول الملف طور التحقيق القضائي التفصيلي، تتجه الأنظار إلى رد فعل القضاء، وموقف وزارة التعليم العالي، وإمكانية اتخاذ قرارات تأديبية أو إدارية ضد شركاء محتملين في الكلية أو الجامعة، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات بشأن مدى اتساع رقعة الفساد داخل المنظومة الجامعية.