سناء البوعزاوي*
قد يتساءل الإنسان في خضم هذا العصر الذي نعيشه عن سبب بعد الأهالي و العائلة عن بعضها البعض ، فقد بدأنا نشهد تلاشي العلاقات و الأواصر شيئًا فشيئا ، وتباعد الدم أكثر فأكثر ، هل هذا سببه العولمة و مواقع التواصل الإجتماعي ؟ التي أخذتمكان التواصل الحقيقي و ساهمت في إجلاء الضيوف من الصالون المغربي، الذي كان إلى وقت قريب القطعة المركزية داخل المنزل ، و الذي توليه سيدة المنزل اهتماما كبيرا لدرجة أنها قد تمنع أهل البيت من الولوج إليه لكي لا تضيع كل مجهوداتها المبذولة في ترتيبه وتلف القطع القيمة التي اختارتهم بعنايةلتستقبلضيوفها و تقدم لهم ما لذ و طاب و تحتسي بمعيتهم الشاي المغربي ،الذي أصبح يشرب في المقاهي لأن الوقت لم يعد يسعف السيدة لتحضير وجبة الغذاء أو حصة الشاي داخل منزلها ، لأن الحلقة المهمة داخل كل منزل ، أصبحت سيدة عاملة ، موظفة ، صاحبة مشروع ،….أي كان مجالها ، المهم أن المرأة المغربية أصبحت تهتم بما هو أهم و أجدى بالنسبة إليها من التجمعات و الحديث الفارغ حسب قناعاتها الجديدة ، حديث لا يسمن و لا يغني من جوع . في الوقت التي أصبحت ربة البيت ، مديرة الأسرة النووية بمعية رب الأسرة ، تريد أن تحقن كل جهدها و كل تفكيرها في تلبية متطلبات أسرتها الصغيرة و متطلباتها ، غير معيرة الإهتمام أو بالأحرى غير مركزة على ضرورة الإجتماع مع العائلة الكبيرة أو إذا أردنا القول لكي لا نبخس لها حقا ، غير متمكنة من إيجاد وقت لذلك ، فمرغم أخاك لا بطل ! الشيء الذي ساهم بدوره في التباعد الذي يشهده مجتمعنا الحالي ، بل و حتى الغياب على مائدة الكسكس التي كانت تجمع في وقت قريب العائلة الصغيرة و في بعض الأحيان حتى بعض أفراد العائلة الكبيرة ، و كما سلفنا الذكر في مقال سابق لنا في هذا الصددأن هذا الطبق بالتحديد له دور كبير في التنشئة الإجتماعية و الحوار المنزلي العائلي و تجديد الأواصر و الروابط بين أفراد الأسرة بشكل أسبوعي ، بينما تجد ثقافاتأخرى تؤكد على ضرورة الإجتماع بين أفراد الأسرة مرة في آخر الأسبوع و ترافق هاته اللمة العائلية طقوس و أكلات معينة لا محيد عنها ، و هاته الممارسات مؤكدة جدا في ثقافات عديدة ليس لتمظهرات التجمع بل لجوهرها الذي يفكرك طول الوقت بضرورة احترام العائلة و وقت تجمع العائلة و تنشئة أطفالهم و شبابهم على التماسك الأسري ، فالسؤال المطروح هنا ما سبب اتخاذ فئة من مجتمعنا المغربي هاته الخطوة التي تعتني ب ” راسي يا راسي” ما الذي جعل مفهوم التضامن الإجتماعي الذي تحدث عنه عالم الإجتماع الفرنسي “إميل دوركيم ” يتلاشى في الأفق ، فأصبحت عند البعض سنة ” أنا وبعدي الطوفان” هي السائدة، حتى إسود بها القلب و العقل و الكيان ، و أصبحت الروابط الأسرية مجرد بدعة ، و إحياء الأعياد و السنن ، و المناسبات مجرد إهدار للوقت و حتى المال ، مال المستقبل للضيف و وقت هاذا الأخير الذي يفضل أن يمضيه بمعية أسرته الصغيرة فقط المقتصرة على شريك(ة) الحياة و الأطفال ، لا أكثر ، في منتجع سياحي أو في المطاعم الساحلية ، و خير مثال على هذا الفنادق التي ما لبثت تعج بالوافدين عليها أيام العيد ، هذا اليوم الذي يكون مناسبة للقيام بدورة كبيرة و اصطحاب الناشئة للتعرف على العائلة الممتدة، و جيران الطفولة و أماكن اجتماع أبناء الخالات و العمومة،فبعد استطلاع في مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت تسمع في هاته السنوات الأخيرة أن العائلة أصبحت لاتكاد تلتقي إلا في المناسبات الحزينة ، كالقيام بدور العزاء في حالة موت قريب فقط! بل هناك من لا يستطيع التنقل بسبب العمل فلا يكلف نفسه حتى الإتصال لجبر الخواطر ! أما إن تحدثنا عن المناسبات الجميلة التي يطبعها طابع الفرح و الإبتهاج و السرور، فأصبحت تقام في إطار مغلق جدا يقتصر على المعنيين بالأمر لا غير ، و عندما تغوص في ماهية الأشياء و سبب هاته التصرفات الجديدة الغريبة عن مجتمعنا المغربي ، يأتيك الجواب على أنه الخوف من العين و الحسد و ما إلى ذلك من المعتقدات التي تجعل أهل البيت يفرحون بسرية تامة سواء كانت المناسبة زواج أو خطوبة ، أو عقيقة أو حتى فرحة نجاح ! السؤال المطروح مرة أخرى هو ما قيمة فرحك دون قومك؟ ما هي حلاوة أن تكسب شيئا أو تنجح نجاحا أو تصل إلى مرتبة دون الإحساس بلذة فرح الآخرين لك و تصفيقهم لك ، هناك من سيقول ليس من الضروري أن يتقسم معك أحبابك فرحك ، و هناك من يقول أنا أنجح لنفسي لما سأخبرك به عائلتي ؟ … وجهة نظر تحترم ، لكن لما تجد نفس الفئة من الناس التي لديها هاته القناعة الكبيرة بأن أمورك الشخصية و مناسباتك السعيدة لا تريد فيها حضور القريب ! فلم البعيد و الغريب و الغير معروف حتى هويته يطلع على كل كبيرة و صغيرة و يحصي كم لديك من أولاد و كم عدد قارورات عطرك !؟ نتحدث هنا عن تفريغ محتوى البيت و حرمته “للعادي و البادي” على منصات التواصل الإجتماعي ، فهناك من يستعرض سياراته الفارهة و المطاعم التي يرتادها و يعد كل من كتب أحسن تعليق أن يستضيفه في إحدى المقاهي و يمتطي معه سيارة الحلم ، ربما نفس الشخص لا يستدعي عمه و لا ابن خاله ولو على سبيل المزح، و هناك من تظهر لمتابعيها ماذا أحضر لها زوجها في عيد ميلادها و تضع تحت المجهر كل خصوصياتها ابتداءا من سريرها حتى دولاب ملابسها ، الشيء الذي قد تخفيه على أقرب أقربائها ! لماذا ؟ هل جمهورها ليست له هاته القوة الخارقة لكي تصيب بالعين و الحسد ، أم هؤلاء الفئة من الناس مؤمنين بمقولة “الأقارب كالعقارب ” ! ، أم أن العلاقة مع هؤلاء الأقارب لاتسمن و لاتغني من جوع ، ففي زمن الماديات و الإبتعاد عن الروحيات كل شيء أصبح له مقابل و كل شيء بثمن ، إذا أردت أن أوريكم ماذا أحضر لي زوجي عليكم أن تضغطو زر الإعجاب و تفعلو الجرس ! و إذا وصل عدد متابعين محتوى شخص ما ، سأرسل لكم هدية قيمة و لو أنكم غير مهتمين بالمحتوى المعرض لكن هاته الوسيلة الوحيدة لكي نلتقي و نأخذ صورة و أرسل لك هدية ، ربما ليست هاته الظواهر مرتبطة فقط بهذا الزمن بل كانت في أزمة قديمة غابرة، و إلا لم يكن ليظهرها للنور عالم الإجتماع الألماني ” ماكس فيبر” عندما تحدث عن مفهوم “العقلانية” و مفهوم “الفردانية” ،و يبقى السؤال مطروحا هل وجد الإنسان راحته في أبواب موصدة في وجه الأحباب و الأقرباء و فتح النوافذ و المداخل لبيته و حياته للآخر الذي لا تربطه به لا علاقة دم و لا قرابة ؟ هل من الصحي أن تتفكك العائلة الكبيرة بهاته الطريقة و ما مآل هذا التفكك ؟
*كاتبة ومختصة في التنمية الذاتية و باحثة في علم الإجتماع