المغاربة هم هذا التعدد في الأفكار، الذي يلخصه المثل المغربي “كل واحد يلغي بلغاه”، وعشنا على هذا التنوع والغنى، إلا أن بعض الحكومات أو بعض الأشخاص الأقوياء في تاريخ المغرب حاولوا تنميط المجتمع في قالب واحد، ويمكن في هذا الصدد ذكر إدريس البصري، باعتباره أشهر وزير للداخلية في تاريخ المغرب، والذي جمع قوة غريبة، واختار لكل فئة إسما حيث أطلق على المحتجين، الذين قضوا بالرصاص خلال سنة 1981 شهداء كوميرة، وكان يرى في المواطنين زبناء لديه يوظفهم في مشاريعه السياسية وليست الأمنية.
كان يرى في مواطني الأحياء الراقية خزانا اقتصاديا وماليا، وفي الأحياء الهامشية خزانا انتخابيا، يستعملهم في التوازنات، التي كان يصنع من خلالها خارطة المشهد السياسي، والمخالفون خوارج، وعلى الكل أن يقول “العام زين”.
جاء عبد الرحمن اليوسفي برصيد تاريخي من النضال وأحكام الإعدام والمنافي، ووضع كل هذا التاريخ في كفة ومصلحة المغرب في كفة، وقد استجاب لنداء إنقاذ الوطن، بعد خطاب المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني عن السكتة القلبية التي تهدد المغرب، وحاول أن يعيد لنا صنفا من أصناف المواطنة، ويمكن تصنيف فترته بأنها اللحظة التي استعاد فيها المواطن المغربي كثيرا مما ضاع منه، وهذا من باب الإنصاف ومن باب التقييم الموضوعي لأن لديه أيضا أخطاؤه ومثالبه. رحم الله الجميع.
تم جاءت الفترة التي أعقبت دستور 2011 وفاز حزب العدالة والتنمية، وجاء عبد الإله بنكيران، منتفشا بالنتيجة التي حصل عليها، فأوحت له أن المغاربة يقعون تحت وهو يطل عليهم من فوق، وبخطاب إسلامي رجعي غير متنور نظر إلى المجتمع وفئاته وتنوعه، ولم يكن يرى في المواطن المغربي سوى أداة للتمكين أي ظهرا يركب عليها من أجل الوصول إلى أغراضه التي تفوق الحكومة.
ذهب حيث تذهب جميع الحكومات الزائلة، وبقي الأصل المغربي الحقيقي، ولأن فترة العدالة والتنمية كانت رهيبة وتمت فيها الجرأة على كل ما هو اجتماعي، حاربهتهم الأغلبية، تحت مسمى “تجار الدين”، ويشهد التاريخ أن هذه الصحيفة حذرت من استبدال “تجار الدنيا” ب”تجار الدين”، أي أننا نطرد تجار الدين لنفتح المجال لتجار الدنيا، الذين أطلقنا عليهم توصيفا دقيقا “تجمع المصالح الكبرى”.
هذا التجمع، الذي يوجد على رأسه رئيس حزب التجمع، لا يرى في المواطنين سوى واحد من إثنين، إما مع الرئيس وهم المرضي عنهم أو ضد الرئيس وهم المرضى، وهذا ما أفصح عنه رشيد الطالبي العلمي، القيادي في التجمع ورئيس مجلس النواب، الذي وصف معارضي أخنوش وحاملي هاشتاغ “أخنوش إرحل” مجرد مرضى، وهو وصف أخنوشي، الذي أقسم أن يربي كل من هو في حاجة إلى التربية وقد أوفى بوعده وهو الوعد الوحيد الذي أنجزه بينما أخلف كل شيء، وما ارتفعت الأصوات مطالبة برحيله إلا لأنه خان الميثاق مع الناخبين.