في ساحة كرة القدم، تلعب المنتخبات وتسجل الأهداف، لكن خارجها هناك من يخسر حتى قبل أن يبدأ… فقط لأنه يخشى نطق اسم البلد المضيف.
فاز منتخب الجزائر للسيدات على بوتسوانا بهدف نظيف، في قلب الدار البيضاء، وبين جماهير مغربية هادئة لا تصفق بيد وتصفع بالأخرى.
مباراة رياضية؟ نعم. لكن الحدث الحقيقي كان في زاوية بعيدة عن المستطيل الأخضر: هناك، حيث الكلمات ترتجف، وحيث يُستبدل اسم “المغرب” بإشارات غامضة من قبيل “هناك” أو “في أرض المسابقة”، وكأن الحروف العربية لم تُخترع بعد لتسمية المملكة الشريفة.
هل هو رهاب سياسي؟ أم مجرد قصر في اللغة؟ لا أحد يدري. لكن ما ندريه جيدًا، هو أن كاميرا التلفزيون المغربي لم تُخفِ شيئًا. نقلت كل شيء: الهدف، المدرجات، والأعلام الجزائرية تُرفرف بلا اعتراض، وكأننا فعلاً في بلد اسمه المغرب، وفعلاً في بطولة إفريقية، وفعلاً في زمن طبيعي.
الغريب في هذا كله، أن الإعلام المغربي لم يتحدث عن “ضيف عزيز”، ولا عن “أشقاء من جهة ما”، بل قالها ببساطة: الجزائر تلعب في المجموعة الثانية، على أرض المغرب. نقطة، وانتهى.
لا حاجة لخطاب الوحدة، ولا لشعارات التاريخ المشترك. فقط جرأة في تسمية الأشياء بأسمائها، وثقة في أن قوة الدول لا تُقاس بمدى قدرتها على حذف أسماء الآخرين من النشرات الإخبارية.
المضحك المبكي، أن الإعلام الرسمي الجزائري لا يزال يلوك نفس الحيل اللغوية البائسة، ويجتر خطابًا يعاقب الكلمات قبل أن تولد. بلد بكامل مؤسساته يرتعد من مجرد اسم: المغرب. فهل المشكلة في الحروف، أم في العقد السياسية التي تأبى أن تموت؟
لسنا بحاجة لتذكيرهم بما جرى مع الأندية المغربية حين لعبت بالجزائر، ولا بكيفية نطق “RCA” على شاشاتهم كأنها لعنة. فالتاريخ يسجل، والذاكرة لا تنسى، وما يُبنى على النفي لا يدوم.
ما يقدمه المغرب اليوم، ليس فقط بطولة رياضية، بل تمرينًا على الاتزان. تمرين في الرقي الإعلامي، وضبط النفس، ونقل الصورة دون شوشرة. تمرين صعب على من تعوّد على الهتاف أكثر من الإصغاء، وعلى من يرى في ذكر الآخر تهديدًا لهويته الهشة.