يشهد قطاع التعليم في المغرب تصعيداً جديداً ينذر باحتقان مفتوح على كل الاحتمالات، في ظل ما وصفته النقابات التعليمية بـ”انقلاب وزارة التربية الوطنية على التزاماتها” وتماطل الحكومة في تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع الشركاء الاجتماعيين. ففي بلاغ مشترك صدر عن التنسيق الوطني للنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، عبّرت الهيئات النقابية عن استيائها الشديد مما اعتبرته تراجعاً صريحاً عن اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، واستمرار الوزارة في التنصل من مسؤولياتها.
وأكد البلاغ أن الوزارة المعنية أخلّت بما تم الاتفاق عليه بخصوص عدد من الملفات، وعلى رأسها ملف “أساتذة الزنزانة 10″، مشيراً إلى أن الوزارة “تجاوزت كل الأعراف” في تعاملها مع هذا الملف، وأظهرت إصراراً على التهرب من الالتزامات المتفق عليها، خصوصاً ما يتعلق بالترقية التي يفترض أن تشمل المعنيين بعد استيفائهم الشروط اللازمة، ومن ضمنها احتساب السنوات الاعتبارية.
كما أدانت النقابات التعليمية الطريقة “الانفرادية” التي اعتمدتها الوزارة في الدعوة إلى عقد اجتماعات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، واعتبرتها استمراراً لنهج الهروب إلى الأمام والتسويف، بما يزيد من تأجيج الاحتقان داخل الأسرة التعليمية. ودعت النقابات أعضاء هذه اللجان إلى الامتناع عن التوقيع على لوائح الترقية التي تحرم فئات واسعة من الأساتذة الذين استوفوا 14 سنة من الأقدمية من حقهم في الترقية، مطالبة باحتساب السنوات الزائدة كأقدمية في الدرجة الأولى، بما ينصف المتضررين ويعالج مظلوميتهم التي تزداد حدة مقارنة بزملائهم في قطاعات وزارية أخرى.
وبينما شددت النقابات التعليمية على رفضها القاطع لما أسمته “التعاطي السلبي” للوزارة مع ملفات الشغيلة التعليمية، طالبت الحكومة ووزارة التربية الوطنية بتنفيذ حزمة من المطالب الاجتماعية والتربوية التي تم الاتفاق عليها. ومن بين هذه المطالب صرف التعويض التكميلي لأساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والمختصين و مراجعة عدد ساعات العمل لهيئة التدريس في مختلف الأسلاك التعليمية و تسوية وضعية المساعدين التربويين وتعويضاتهم و صرف التعويض التكميلي لمتصرفي الوزارة و تفعيل المادة 89 من النظام الأساسي و تسوية الملفات الفئوية العالقة في مختلف فئات الشغيلة التعليمية.
وحمّلت النقابات الوزارة الوصية المسؤولية الكاملة عن تصاعد التوتر والاحتقان داخل القطاع، معتبرة أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور في حال استمرت الحكومة في تجاهل المطالب المشروعة للأسرة التعليمية .
في سياق متصل، أصدرت التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد بياناً نارياً، ردّت فيه على تصريحات رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية بالبرلمان يوم الإثنين 19 ماي 2025، والتي زعم فيها أن ملف التعاقد تم حله نهائياً.
واعتبرت التنسيقية تصريحات رئيس الحكومة “مغالطات ومعطيات غير صحيحة”، مؤكدة أن الواقع الميداني يكذب الادعاءات الحكومية، وأن الحديث عن طي الملف لا يعكس ما يعيشه الآلاف من الأساتذة والأطر التعليمية الخاضعين لنظام التعاقد.
وأبرزت التنسيقية أن الإدماج الكامل والشامل للأساتذة في أسلاك الوظيفة العمومية لم يتحقق بعد، لغياب المناصب المالية المحدثة في قانون المالية ضمن ميزانية الموظفين العموميين. كما أوضحت أن عدداً من المشاكل الهيكلية ما زالت قائمة، منها مشكل الأساتذة المنتقلين بين الأكاديميات وتعثّر تسوية وضعياتهم الإدارية والمالية و تأخر ترقية الأساتذة في الرتب رغم مرور أشهر على وعود التسوية و غياب تسوية الأساتذة الناجحين في مباريات التبريز والتعليم العالي و استمرار الاقتطاعات من الأجور دون مبرر واضح كما عبّر المتعاقدون عن رفضهم لما وصفوه بـ”التواطؤ بين الحكومة وبعض البيروقراطيات النقابية”، وطالبوا بجرأة سياسية حقيقية لتحرير التعليم من قبضة “الإملاءات الخارجية”، خصوصاً توصيات صندوق النقد الدولي المتعلقة بتخفيض كتلة الأجور، التي يرون فيها تهديداً لاستقرار الشغيلة التعليمية.
وجددت التنسيقية الوطنية مطلبها الرئيسي بإدماج كافة الأساتذة والأطر في الوظيفة العمومية، داعية إلى إحداث مناصب مالية جديدة ضمن قانون المالية للعام الحالي و إلغاء العقوبات التأديبية التي طالت عدداً من الأساتذة على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات و إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور الأساتذة المفروض عليهم التعاقد و تسوية وضعيات الأساتذة الناجحين في مباريات التعليم العالي والتبريز و صرف التعويضات التكميلية لجميع الفئات المعنية.
و تشير هذه التطورات إلى أزمة ثقة متفاقمة بين الحكومة والنقابات والتنسيقيات التعليمية، في وقت يتطلب فيه قطاع التعليم إصلاحات عميقة وهيكلية تستجيب لتطلعات الشغيلة التعليمية ومصالح التلاميذ. ويبدو أن استمرار تجاهل المطالب والتملص من الالتزامات السابقة قد يجر القطاع إلى موجة جديدة من الإضرابات والاحتجاجات، مع ما يحمله ذلك من تأثيرات سلبية على استقرار المدرسة العمومية ومستقبل الأجيال القادمة.