تستمر آلة القضاء في الإطاحة بالمنتخبين و السياسيين المتورطين في الفساد في المغرب، و تحصد الآلة القضائية رؤوس متهمين باختلالات و نهب المال أغلبهم من أحزاب الأغلبية الحكومية، حيث وصل عدد المتابيعن قضائيا بالبرلمان الى برلماني و عشرات رؤساء الجماعات و المنتخبين، حيث قرر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمدينة ورزازات، متابعة رئيس المجلس الجماعي المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، في حالة اعتقال بتهم ”إهانة رجال القضاء، وإصدار أقوال تمس باستقلال القضاء“.
و استنطقت النيابة العامة المنتخب، قررت متابعته في حالة اعتقال، وذلك على خلفية انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعي فيه رئيس المجلس الجماعي لورزازات أن لديه علاقات بشخصيات عليا بالدولة وبعض الشخصيات القضائية، زاعما في ذات التسجيل بأنه بفضل تلك العلاقات حصل على حكم البراءة في قضية كانت معروضة أمام القضاء.
و رصد تقرير 30 نائباً برلمانياً ينتمون إلى عدد من الأحزاب، متهمون في قضايا تتعلق بالفساد المرتبط بالمسؤوليات البلدية المنوطة بهم، حيث تبتّ محاكم مختلفة في التهم الموجهة إليهم والتي تتعلق باختلاس أموال عامة والابتزاز وتزوير الوثائق العامة والتلاعب في الصفقات.
وكان جلالة الملك دعا إلى “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلاً عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة”.
ووصل عدد البرلمانيين الذين وُجهت لهم اتهامات قضائية الى 30 برلماني، بتهم متفاوتة حسب طبيعة القضايا. وجلهم يرأسون مجالس بلدية، أو كانوا يرأسونها، بتهم التلاعب في أموال الميزانيات المحلية، ومن أجل تمويل حملاتهم الانتخابية التي تهدف إلى إعادة انتخابهم، لم يتردد بعضهم في الاستفادة من الأموال المحلية التي يتحملون مسؤوليتها، ثم حاولوا التهرب من المراقبة التي تقوم بها جهات المراقبة في المجلس الأعلى للحسابات وفروعه في الأقاليم التي تفحص نفقات الأحزاب والمرشّحين للانتخابات البلدية، و يلجا المتورطون الى التلاعب في إبرام عقود المناقصات والصفقات العامة، أو يقومون بصفقات تتجاوز التشريعات المنظمة للمالية العامة.
وكانت المحكمة الدستورية جرّدت 10 برلمانيين من العضوية في مجلس النواب، وواحد من مجلس المستشارين، وقبلت استقالة برلمانيين اثنين ضمن العشرة، بناء على مراسلات من مكتب مجلس النواب، أو وزير العدل، وفق ما ينص عليه القانون.
و يقترح مراقبون ضرورة إعادة النظر في بعض الجوانب المتعلقة بالانتخابات، ومراجعة القوانين المنظمة للمجالس ، من أجل منع استمرار هذه الممارسات وبالنسبة لبعض التغييرات التي يقترحونها، بما في ذلك إلغاء تمثيل بعض هؤلاء النواب في المجلس الأول، يعتبرون أنها قد تتطلب تعديلات دستورية، و تعرضت اموال بعض المتابعين الى حجز أموالهم الشخصية، بينما طُبِّقَ إجراء منع السفر على آخرين الذين يُنكرون تورطهم بأن الاتهامات التي وجّهت إليهم جاءت نتيجة شكاوى يرونها كانت محرّكة بالانتقام من بعض منافسيهم، أو حتى من أعدائهم السياسيين.
واعتبر المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن متابعة 30 برلمانياً قضائياً بتهم مشينة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، سابقة في تاريخ البرلمان وقال: “منهم من فُتحت ضده مسطرة غسل الأموال وجرى حجز ممتلكاته وأمواله”. وتساءل في تدوينة على “الفيسبوك” حول “ما إذا كان ما تبقى من البرلمانيين سيجعل من هذا الواقع المخجل أرضية للانكباب بجدية على سن منظومة قانونية لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، وفي مقدمتها تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، أم أنهم سيقفزون هذا الواقع كأنه يعني بلداً آخر وسيستمرون في التطبيع مع الفساد والريع وحماية لصوص المال العام؟”، وتابع موضحاً: “لا يخفى على نواب الأمة أن تقارير قد توقفت عند تفاقم الفساد والرشوة بالمغرب، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الاجتماعيين. ولذلك، فإن المغاربة يتطلعون إلى إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد ونهب المال العام والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتمنون أن تستمر المعركة ضد الفساد، وذلك بمحاكمة لصوص المال العام والمفسدين وتحريك مساطر غسل الأموال ضدهم”.
وأكد أن “هذا الواقع يفرض على الأحزاب السياسية قبل فوات الأوان أن تلتقط دقة المرحلة وصعوباتها وخطورة الفساد على الدولة والمجتمع، وأن تبدأ من نفسها وذلك بتجميد عضوية كافة المتهمين في جرائم الفساد وعدم ترشيحهم لأي مسؤولية عمومية كيفما كانت، أو تكليفهم بتمثيل البرلمان في أي نشاط مع اتخاذ البرلمان لقرار نافذ يقضي بوقف صرف أجورهم وتعويضاتهم”.