محمد فارس
إنّ الانحراف الجنسي منتشر في أيّ مجتمع مهما كان، ومجتمعُنا لا يمثّل استثناءً؛ يقول الأستاذ [هافلوك ألس] المختصُّ بالأبحاث الجنسية: [إنّ هناك اثنَين بالمائة من الناس، مصابون بالانحراف الجنسي طبيعةً لا اكتسابًا؛ وسببُ ذلك راجعٌ إلى وجود نقص في تكوينهم البيولوجي؛ فهم ميالون إلى الانحراف الجنسي من تلقاء أنفسهم حتى لو أُحيطوا بالحِسان الكواعب منذ صباهُمْ الباكر].. وهؤلاء لا علاج لهم على أيّ حال، ويقال إن أحدَ الجرّاحين في [الدّانمارك] استطاع أن يعالجهم بتحويلهم إلى إناث، ولكنَّ هذه الطريقة لم تَلْقَ رواجًا، وقد منعتْها الحكومة، ولعلّ العِلم سيكشف طريقةً أَنْجح من هذه في يوم من الأيام؛ ومهما يكُنْ من حال، فالباحثون الاجتماعيون لا يهتمّون بهؤلاء، بقدر اهتمامِهم بأولئك الذين يكتسبون انحرافهم الجنسي بتأثير ظروفهم الاجتماعية، وقد وجد الباحثون أنّ نسبة الانحراف تقلّ وتكثُر تبعًا لوجود عوامل متنوّعة..
لقد دلّتِ الإحصاءات أنّ نسبة الانحراف الجنسي تزداد بين البحّارة والجنود والمساجين في البُلدان الغربية خاصّةً.. فالرّجل الذي لا يرى امرأة بقُربه مدةً طويلةً، يجد نفسه مدفوعًا إلى عِشق الغِلمان الذين يُشْبِهون النّسوان قليلاً أو كثيرًا.. إنّه يريد التّعويض بالغُلام عن المرْأة التي فارقها، وهو بهذا يختلف عن ذلك المنحرف الطّبيعي الذي لا يَشتهي التّعويض على أيّ حال.. إنّ المنحرف الذي يكْتسِب انحرافَه من محيطه يميل إلى الغُلام الناعم الذي يُشْبه المرأة في تكوين بدنِه أو ملامح وجهِه؛ أما المنحرف الطبيعي فهو يميل إلى الرّجل العِملاق، الخشن الذي تتوافر فيه معالمُ الرّجولة، إنّه بمعنًى آخر أُنثى بصورة ذَكَر… لقد مرّت بُلدان عربية بذلك الوضع الـمُزرِي في العهد العثماني عندما كان الحجابُ شديد الوطأة على المجتمع، حتى صار عشقُ الغِلمان من المفاخر التي يتباهى بها كثيرٌ من الرّجال، ولا تزال آثارُ ذلك باقية حتى يومنا هذا.. والانحرافُ الجنسي موجودٌ اليوم بأبشع صُوَرِه في سواحل الخليج الفارسي في جهته الإيرانية ودُول مجاورة لها، وهناك في بلدان عديدة يجوز لرجُل أن يتزوّجَ رجُلا آخر، ويعاشره معاشرةَ الأزواج، ويقال عن الرّجل المزفوف إنّه [إنستر]، لكن كيف بدأتْ هذه الظاهرةُ الشّاذّةُ؟
كان البرتغاليون حين سيطروا على الخليج الفارسي من أكثر خلقِ الله لِواطًا، وسببُ ذلك أنّهم كانوا بحّارةً يقضون في البحر زمنًا طويلاً على سُفنِهم القديمة، والمسافةُ بين الخليج الفارسي و[البرتغال] شاسعة جدّا، حيث كانوا يقْطعونَها في ذلك الحين عن طريق [رأس الرّجاء الصّالح] في شهور عديدة، وكان بحّارتُهم بوجه عام، ميّالين إلى الانحراف الجنسي، وذلك لطول المدّة التي يفارقون بها المرأة وهم على ظهور السّفن، والأماكنُ التي يرتادُها بحارة الغرب في عصرنا هذا لا تخلو من هذه الظّاهرة.. لقدِ انتشر اللّواطُ في [ألمانيا] قبل العهد النازي، ويبدو أنّ التّقاليد البروسية العسكرية ساعدتْ على نشرِه هنالك؛ فالمحاربون الذين ينقطعون عن أهلهم في الخنادق مضطرّون لأخْذ اللّواط لهم عادة، وهذا هو الذي جعل الجيوشَ في الحرب العالمية الثانية تَصْطحب معها مُجنّدات من الجنس اللطيف، فتمنع جنودَها بذلك من التّطلّع إلى الغِلمان بينهم..
انتشَر اللّواطُ بين أولي المراتب العالية في الدّولة العثمانية البائدة، وربّما نشأَ هذا فيهم من تقاليدهم العسكرية القديمة، وكثيرٌ منهم كانوا في صباهم من المماليك، حيث كانتِ الدّولة تشتريهم من أهاليهم غِلمانًا صغارًا، فتضعهم في مدارس داخلية ليتعلّموا فيها الفنونَ العسكرية، ولعلّهم كانوا يتعلّمون أثناء ذلك فنون الانحراف الجنسي أيضًا.. صار الانحرافُ الجنسي أمرًا مألوفًا بين رجال الدّولة في ذلك العهد، حتى أُطلقَ على الظّاهرة (مرَض الأكابر)، ولا يزال هذا المرض مألوفًا في باشوات بعض الدّول التي حكَمها العثمانيون، والذين هم من أصلٍ تركي، أي من أبناء المماليك.. وينتشر اللّواطُ أيضًا بين الرُّهبان الذين يَنقطعون لعبادة ربِّهم في الأدْيِرة الـمُنْعزلة، وهو ينتشِر كذلك بين رجال الدّين الذين يعيشون في مراكزَ دينية تتحجّب فيها المرأة أو يقلّ وجودُها، وقد نجتْ بعضُ المراكز الدّينية في [إيران] من هذه العادة لشيوع زواج الـمُتْعة فيها، فرجلُ الدّين هناك يُشْبِع شهوتَه عن طريق المتعة، وبذلك يَقلّ تَطلّعُه نحو الغِلمان..
خلاصة القول إذن، هو أنّ الانحراف الجنسي ظاهرة اجتماعية معقّدة تتدخّل فيها عواملُ شتى، ولكنّ العِلم يُثبِت اليوم أنّ الشّذوذَ ظاهرة مرَضية تتطلّب دراسةً معمَّقةً وإيجاد علاج شافٍ لها، ولكنّ الغريبَ في الأمر، هو أنّ بعض بلدان العِلم قد وضعتْ للشّذوذ قانونًا يُبيحه بدلاً من إيجاد دواء أو لقاح يكافحه.. فليس تحجُّب المرأة أوِ انفصالُها عن الرَّجل هما اللذين يزيدان في انتشار هذه الظاهرة كما يعتقد أصحابُ العقول الدّنيا؛ فليس الحجابُ هو الذي يخلق الشذوذ، بل التهاون في التربية، والتّشرد، وتشغيل الطّفولة هي عومل تؤدّي إلى الشّذوذ والانحراف الجنسي..
السلام عليكم
هذا النص منقول حرفيا من كتاب الدكتور علي الوردي
لم ار اي اشارة تلى ذلك🤔