يكتسي التضامن في الإسلام طابع التكامل والكمال الروحي، الذي بواسطته يتطهر المسلم، وبواسطته تتم إعانة الفقير على التغلب على الحاجة، وكان أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، دائم الحرص على زرع قيم التضامن في المجتمع المغربي، وهو أول مبادر لهذا العمل، وهو يندرج ضمن القيم التقليدية للمجتمع المغربي التي لا ينبغي التخلي عنها.
وتكتسي قيم التضامن خلال الشهر الكريم خاصية كبيرة باعتباره شهر الرحمة والغفران، وهو لا يتناقض مع بناء الدولة الحديثة، التي ينبغي أن تعمل فيها الحكومة على تدبير الشأن العام وفق ما تنص عليه القوانين، لكن قيمة التضامن لا يمكن أن تكون نقيضا للحق والعدل مادام في المجتمع أناس يحتاجون للمساعدة.
وفي بلاد أمير المؤمنين تمت مأسسة التضامن حتى أصبح يؤدي وظائف كبيرة جدا، ولقد رأينا كيف قامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن بعمل جبار قصد فك العزلة عن المناطق التي تضررت نتيجة التساقطات المطرية وتساقطات الثلوج، وهنا يتداخل العمل التضامني مع العمل الرسمي، بل يتجاوزه، حيث لو عولنا على الإجراءات الإدارية الثقيلة للحكومة لوقعت كوارث، لكن ولله الحمد والمنة فإن القيم التي زرعها أمير المؤمنين في المجتمع كانت كفيلة بتفادي الكارثة.
ولا يمكن حصر التضامن فيما هو مؤسساتي، لأن الإسلام يحث على التراحم والتآزر، وما زكاة الفطر إلا أحد عناوين هذا التكافل، فرغم أنها ليست بحجم كبير لكن بركاتها تصل إلى الفقراء، حيث تسد ثغرات كثيرة لا يراها إلا من جرّب الحاجة والفاقة، فلا يوجد هناك تشريع عبثي، فكل شيء وضعه الشارع الكريم بدقة متناهية.
حرص أمير المؤمنين على هذه القيم يتجاوز وظيفتها العملية إلى وظائفها الرمزية، التي تشير إلى مجتمع متماسك ومتضامن، حيث ما زالت كفالة الأقارب معروفة لدى المغاربة خصوصا بين الأبناء والآباء، وهي قيم فقدها الغرب، الذي يرمي كبار السن إلى دور العجزة، وهي القيم التي تسعى بعض الجهات إلى زرعها في المجتمع المغربي من باب مدونة الأسرة بدعوى القيم الكونية، ونحن لا نريد قيما كونية من معالمها رمي الآباء إلى دور العجزة.
قد يعتبر البعض هذا الأمر ثانوي، غير أن قيم الغرب كل متكامل، وفي الواقع هي اللا قيم، وعندما يتحدث عن الكونية يريد استكمال مشروعه عندنا بضرب آخر حصون المجتمع ألا وهي القيم التضامنية والتكافلية، التي لا يمكن تعويضها بتاتا بالعمل القانوني وما يكفله من حقوق للمواطنين. نعم من حق المواطن أن تضمن له الدولة الرعاية، لكن إذا كان عجوزا ففي دار المسنين، التي هي عمل قانوني، لكن العمل التكافلي هو أن ترعاه بنته أو ابنه.
رمضان الذي رسخ فيه أمير المؤمنين قيمة التضامن والتكافل عبر الأعمال التي تقوم بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن هو محطة ينبغي من خلالها ترسيخ القيم المجتمعية ومواجهة تيار التغريب الجارف، الذي يتزعمه بعض ممن لا علم لهم.