مع اقتراب شهر أكتوبر، يبدأ المشهد السياسي في المغرب في التحرك بوتيرة متسارعة، استعدادًا للدخول السياسي الجديد الذي يتزامن مع افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في الجمعة الثانية من الشهر.
هذا الحدث السنوي يُعتبر محطة مهمة في الحياة السياسية المغربية، حيث يتجدد من خلاله النقاش حول القضايا الكبرى التي تشغل البلاد، ويتوقع منه أن يحمل آمالًا وتطلعات جديدة لمستقبل المغرب، خصوصًا في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها الحكومة والمجتمع المغربي على حد سواء.
وتتردد في الأوساط السياسية المغربية حاليا تكهنات حول إمكانية إجراء تعديل حكومي مرتقب.
هذا وذكرت مصادر من داخل التحالف الحكومي، أن التعديل الحكومي المرتقب سيهدف إلى تعزيز فعالية الحكومة وقدرتها على مواجهة التحديات المقبلة.
وأضافت المصادر أن التعديل قد يعرف إعادة هيكلة بعض الوزارات من قبيل فصل وزارة التعليم عن الرياضة، خاصة في ظل استعداد المغرب لاحتضان كأس العالم 2030.
الحكومة أمام تحديات التشغيل والجفاف
تواجه حكومة عزيز أخنوش تحديات متعددة ومعقدة تزامنا مع الدخول السياسي، على الصعيد الاقتصادي، يستمر تأثير التضخم العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود في الضغط على الاقتصاد الوطني.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لا يزال المغرب يواجه مشاكل البطالة، خصوصًا بين الشباب، وهو ما يستدعي من الحكومة تكثيف جهودها لخلق فرص عمل وتحسين البيئة الاستثمارية.
هذا وسبق أن رسمت المندوبية السامية للتخطيط صورة سوداء عن مستوى التشغيل بالمغرب، حيث بلغ معدل البطالة 13,1 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2024.
وأفادت المندوبية، في مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول وضعية سوق الشغل، أن معدل البطالة ارتفع بـ0,7 نقطة، بين الفصل الثاني من سنة 2023 والفصل الثاني من سنة 2024، منتقلا من 12,4 في المائة إلى 13,1 في المائة.
وذكرت المندوبية أن معدل البطالة انتقل من 16,3 في المائة إلى16,7 في المائة بالوسط الحضري (زائد 0,4 نقطة)، ومن 5,7 في المائة إلى 6,7 في المائة بالوسط القروي (زائد 1 نقطة)، مبرزة أن هذا المعدل سجل كذلك، ارتفاعا بـ0,7 نقطة في صفوف النساء والرجال، منتقلا، على التوالي، من 17 في المائة إلى 17,7 في المائة، ومن 11 في المائة إلى 11,7 في المائة.
هذا وارتفع عدد العاطلين بـ 90.000 شخص، ما بين الفصل الثاني من سنة 2023 والفصل ذاته من سنة 2024، منتقلا من 1.543.000 إلى 1.633.000 عاطل، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 6 في المائة، زائد 48.000 بالوسط الحضري و42.000 بالوسط القروي.
وأوردت المندوبية أن معدل البطالة سجل ارتفاعا بـ 2,5 نقطة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، منتقلا من 33,6 في المائة إلى 36,1 في المائة، وبـ1,6 نقطة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، منتقلا من 19,8 في المائة إلى 21,4 في المائة، وبـ 0,1 نقطة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 سنة، منتقلا من 7,2 في المائة إلى 7,3 في المائة، وبـ 0,1 نقطة في صفوف الأشخاص البالغين 45 سنة وأكثر، منتقلا من 3,6 في المائة إلى 3,7 في المائة.
وسجل معدل البطالة في صفوف الأشخاص الحاصلين على شهادة ارتفاعا بـ 0,2 نقطة، منتقلا من 19,2 في المائة إلى 19,4 في المائة، وهذا الارتفاع كان أكثر حدة في صفوف الحاصلين على شهادات الثانوي التأهيلي (زائد 3,2 نقطة)، حيث انتقل إلى 26,1 في المائة.
وعلاقة بالموضوع، قالت فاطمة التامني برلمانية عن فيدرالية اليسار، في تصريح لصحيفة “النهار المغربية” إن الحكومة خلقت ثورة في إنتاج البطالة، وإنتاج مليوني شاب خارج المدرسة وخارج الشغل، مبرزة أن الحكومة تتفنن في انتاج الخطاب الذي لا يجد أثره عند عموم الشعب المغربي.
وتساءلت البرلمانية، عن ماذا انتجت الحكومة في قرابة ثلاث سنوات من عملها، مشددة أن نسبة البطالة في المغرب وصلت إلى مستويات قياسية في عهد حكومة أخنوش.
ولفتت المتحدثة، أن تصريحات رئيس الحكومة عن تشجيع دينامية الاستثمار والنهوض بدينامية الشغل، لا تجد طريقها للشباب، مؤكدة أن سياسيات الحكومة في هذا المجال تنتج فقط البطالة.
وشددت المتحدثة، أن رؤية الحكومة عن الاستثمار العمومي لا تحقق العدالة المجالية، مشددة أن هناك العديد من الجهات تعاني من ضعف الاستثمار، وهذا ما يفسر ارتفاع البطالة بها بشكل مقلق وغير مسبوق.
بدورها، اعتبرت نادية التهامي النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، أن حكومة عزيز أخنوش هي أول حكومة وصلت في ولايتها نسبة البطالة إلى هذا الرقم المقلق والمخيف.
وتنتقد المعارضة الحكومة بشدة، حيث تعتير بأن وزرائها مرتبطين بصفقات بملايين الدراهم من الأموال العمومية يتم الاستفادة منها في الصفقات العمومية ولأهداف شخصية.
في هذا السياق، أفادت التامني، أنه يجب مكافحة الفساد، باعتبار أن الريع والاحتكار من بين أبرز العراقيل التي تحد ولا تشجع المستثمر للتفكير في ضح أمواله بالمغرب.
وذكرت النائبة البرلمانية أنه ليست هناك إرادة لدى الحكومة في محاربة الفساد، ناهيك عن تضارب المصالح وزواج المال بالسلطة.
وعلاقة بالموضوع، أدانت نعيمة فتحاوي النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية في تصريح للنهار المغربية، بشدة ولوج أعضاء في حكومة عزيز أخنوش للاستفادة من الصفقات العمومية، مؤكدة أن تضارب المصالح هو ما يفسر ضعف الاستثمار الأجنبي وعدم خلق مناخ الثقة.
وذكرت المتحدة، أن الحكومة فشلت في الوعد الذي قدمته بتوفير مليون منصب شغل، مشددة أن نسبة النمو التي لها علاقة بنسبة التشغيل وصلت إلى 2 في المائة، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة أنها ستصل إلى نسبة 4 في المائة.
وانتقدت فتحاوي بشدة إجراءات الحكومة التي ساهمت في إفلاس المقاولات، موضحة في هذا الخصوص أن هناك أزيد من 140 ألف مقاولة أفلست دون أن تتدخل الحكومة لإنقاذها.
وتطرقت البرلمانية لموضوع مناخ الأعمال الذي تراجع حسب احصائيات ودراسات العديد من المؤسسات الدولية والمندوبية السامية للتخطيط.
وانتقدت المتحدثة بشدة تراجع الاستثمار الأجنبي بنسبة 53 في المائة، بسبب ما اعتبرته ضعف استراتيجية الحكومة في جلب رؤوس الأموال الخارجية.
هذا وسبق أن أصدرت مؤسسة “أليانز ترايد” المتخصصة في الائتمان التجاري، التابعة لمؤسسة التأمينات الألماني “أليانز“، والمتواجدة في أكثر من 70 دولة بينها المغرب، تقريرا أسود بخصوص معدلات إفلاس المقاولات.
وكشف التقرير أنه من المتوقع أن يرتفع عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها مع متم سنة 2024 إلى 16.100 شركة عوض 14.200 شركة مع متم سنة 2023 بارتفاع نسبته 13 في المائة.
ويعد هذا الرقم قياسي، حيث يتجاوز الرقم المسجل سنة 2021 الموصوم بالتبعات الاقتصادية السلبية لجائحة كوفيد 19، حين أقفلت 10.552 مقاولة مغربية أبوابها.
وأوضح التقرير أن إفلاس المقاولات بالمغرب لا يُعزى فقط لتداعيات الجائحة، ولا إلى التقلبات المناخية وفي مقدمتها الجفاف، ولكن أيضا إلى مشكلة التضخم المرتبطة بارتفاع الأسعار وتأخر آجال الأداءات وضعف المداخيل ومعاناة الشركات المغربية من نقص السيولة المالية الخاصة بالتدبير اليومي.
ويذكر أن الحكومة صرحت أنها ستخصص النصف الثاني من ولايتها الحكومية لملف التشغيل، وخلق أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل.
إلى جانب التشغيل، يعد موضوع الجفاف من بين أبرز المواضيع المطروحة على طاولة حكومة عزيز أخنوش، حيث تسارع الحكومة الزمن إلى إيجاد حلول من شأنها أن تقلل من تداعيات الأزمة.
وللعام السادس على التوالي، يعيش المغرب عاما آخر من الجفاف، ويعتبر العام الماضي أسوأ عام جفاف شهدته المملكة المغربية منذ 40 سنة، حيث أصبحت أولوية الحكومة البحث عن تدابير جديدة ومبتكرة لتحقيق الأمن المائي وتلبية الطلب على المياه الصالحة للشرب.
هذا ويتوفر المغرب على 153 سدا كبيرا، بسعة إجمالية تصل إلى 20 مليار متر مكعب، و141 سدا صغيرا ومتوسطا، و15 محطة لتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية 192 مليون متر مكعب، و17 منشأة لتحويل المياه، لكن هذه البنية التحتية المائية لم تنجح في التخفيف من حدة الأزمة، مما استوجب اتخاذ تدابير طارئة أخرى.
في هذا السياق، اتخذت المملكة عددا من الإجراءات ضمن مخطط عمل استعجالي يتضمن عددا من التدابير، من بينها: تسريع إنجاز سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وإنجاز آبار وأثقاب استكشافية لاستغلالها في دعم التزويد بالماء الصالح للشرب.
وتضمن المخطط أيضا إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية، ومواصلة برنامج إعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء، وتكثيف الاقتصاد بالماء وتوزيع الماء الصالح للشرب، والتقييد في استعمال مياه السقي، إضافة إلى تجهيز محطات متنقلة لتحلية مياه البحر، وإنجاز مشروع الربط بين سد وادي المخازن وسد خروفة الدي وصلت فيه الأشغال إلى مراحله المتقدمة، إلى جانب مشروع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع.
انتخاب اللجنة التنفيذية استعدادا للتعديل الحكومي
أفاد مصدر جد مطلع من داخل حزب الاستقلال بأن نزار بركة، الأمين العام للحزب، قرر عقد دورة جديدة للمجلس الوطني بهدف انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب.
وأضاف المصدر، للنهار المغربية، أن بركة يميل نحو التوافق مع حمدي ولد الرشيد، القيادي البارز في الحزب، لتقديم لائحة موحدة للتصويت عليها من قبل المجلس الوطني.
ويتزامن هذا التحرك مع اقتراب موعد التعديل الحكومي، حيث أخبر رئيس الحكومة عزيز أخنوش زعماء أحزاب الأغلبية بالاستعداد لهذا التعديل المرتقب.
ومن المتوقع أن يفوض المجلس الوطني لحزب الاستقلال نزار بركة مسؤولية قيادة المفاوضات حول التعديل الحكومي، خاصة وأن الحزب يسعى لتحسين موقعه داخل الحكومة الحالية.
وكان المؤتمر الوطني الثامن عشر لحزب الاستقلال، المنعقد في مدينة بوزنيقة، قد أعلن عن تأجيل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب. وأوضح بيان رسمي أن هذا التأجيل جاء في سياق “مواصلة دراسة الترشيحات وتقديم لائحة تتوافق مع تطلعات وانتظارات مناضلات ومناضلي الحزب، لضمان أن تكون اللجنة التنفيذية الجديدة على مستوى التحديات التي تواجه البلاد وتطلعات المواطنين والمواطنات المغاربة“.
وينص الفصل 60 من النظام الأساسي للحزب على أن المجلس الوطني هو الجهة المخولة بالتصويت على أعضاء اللجنة التنفيذية بناءً على اقتراح يقدم من الأمين العام عن طريق لائحة تضم المرشحين والمرشحات.
هذا وذكرت مصادر مطلعة، أن عملية التوافق داخل حزب الاستقلال، وخاصة بين نزار بركة الأمين العام للحزب وحمدي ولد الرشيد، القيادي البارز، ستكون عملية دقيقة ومتعددة المراحل، تهدف إلى تحقيق توازن داخلي يضمن وحدة الحزب وتعزيز قوته.
الاحتفاظ بميارة والعلمي في رئاسة مجلسي المستشارين والنواب
تتجه أحزاب الأغلبية في المغرب نحو الاحتفاظ بالنعم ميارة، الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، كرئيس لمجلس المستشارين، وذلك بعد أن قررت أيضًا تجديد الثقة في رشيد الطالبي العلمي، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، كرئيس لمجلس النواب.
ويأتي هذا التوجه في إطار التحضيرات لافتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر المقبل، حيث من المتوقع أن يتم تجديد انتخاب رئيس مجلس المستشارين في تلك الفترة.
وينص الفصل 63 من الدستور المغربي على انتخاب رئيس مجلس المستشارين وأعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها في بداية الفترة النيابية للمجلس، وكذلك عند انتهاء منتصف الولاية التشريعية.
وتدعم المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس المستشارين هذه الإجراءات، حيث توضح أنه في بداية أول دورة تلي انتخاب المجلس أو عند منتصف الولاية، يتولى أكبر الأعضاء سناً رئاسة المكتب المؤقت لحين انتخاب رئيس المجلس.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد اتخذت أحزاب الأغلبية قرارًا مبدئيًا بالاحتفاظ بالنعم ميارة كرئيس لمجلس المستشارين، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن هذا القرار بشكل رسمي قبل بدء الموسم السياسي الجديد.
دعوات لإجراء انتخابات مبكرة
تشهد الساحة السياسية في المغرب تصاعدًا في الدعوات لإجراء انتخابات سابقة لأوانها، حيث تتزايد أصوات المعارضة المطالبة بتغيير سياسي يعكس احتياجات المرحلة الحالية.
هذه الدعوات تأتي في ظل تنامي التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وتزايد الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن قدرتها على إدارة التحديات التي تواجه البلاد.
وتعتبر المعارضة أن الحكومة الحالية لم تستطع التعامل بفعالية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمغرب، بما في ذلك البطالة المتزايدة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وترى أن الانتخابات المبكرة قد تكون وسيلة لإعادة ترتيب المشهد السياسي وإعادة الثقة إلى الشارع المغربي.
وفي هذا الصدد، قال عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، للنهار المغربية، إن المغرب يعيش في ظل هذه الحكومة أزمة اجتماعية حقيقة، توالت معها الإضرابات والاحتجاجات في جميع القطاعات.
وأضاف بووانو، أنه وفي ظل هذه الوضعية المتأزمة، نحن في حاجة الآن إلى نقطة نظام سياسية، وذلك تزامنا مع تقارير الهيئات الدولية والوطنية، التي أكدت على تراجع الثقة في الحكومة،
وأمام هذا الوضع، يضيف بووانو أنه يجب على الحكومة أن تبادر لإعلان انتخابات سابقة لأوانها لتختبر منسوب ثقتها.
واعتبر بوانو أن تنزيل ورش الحماية الاجتماعية يعرف ارتباكا وتضاربا في الأرقام، ورئيس الحكومة أخل بالتزاماته، مبرزا أن حزب العدالة والتنمية أجرى بكل مسؤولية وبكل موضوعية تقييما للحصيلة المرحلية للحكومة في ندوة صحافية، استنادا إلى برنامجها وإلى تقارير مؤسسات وطنية ودولية، فخلص إلى نتيجة هي تراجع الثقة في المؤسسات وتبديد المكتسبات وتعطيل التنمية.
وخلص بووانو، أن “هذا الأمر من شأنه أن يجنب المغرب الدخول في المجهول، إلى جانب توفير الزمن الذي تم تضييعه للأسف الشديد مع هذه الحكومة“.