ترخي الحرب غيومها الداكنة على تفاصيل الحياة التي تكتسي طابعا الاستثناء بينما يحاول صانع السرد القصصي البحث عن معنى يزداد التباسا تحت أزيز الرصاص ونزيف الأرواح واسوداد الأفق.
بخساراتها الفادحة ومشاهدها المأساوية، تهجم الحرب على مقومات الحياة لكنها لا تقتل القصة بل تلهم صناعها عوالم طارئة يكابدون من خلالها لإعادة ترتيب الفوضى والاحتماء بسقف رمزي في خضم “الحماقة الانسانية الكبرى”، كما سماها الكاتب المغربي أنيس الرافعي، وهو ينشط، اليوم الجمعة بالرباط، جلسة حول “القصة القصيرة والحرب” في إطار فعاليات الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.
الحرب حكاية لا تنتهي بفصول لا تنفد، فبأي طريقة، وأي حبكة وأي مجاز يمكن الكتابة عن الحياة في سياق هذه اللحظة “الحمقاء”؟ يتساءل الرافعي في حديثه عن رهانات السرد القصصي المدعو الى استكشاف اللغة الملائمة لتأبيد مفعول الكارثة وامتدادات الفجيعة. لكن القصة ليست نسخا مباشرا لأهوال الحرب، بل إن من صميم جمالياتها تلمس إمكانيات القبض على لحظات إنسانية وشاعرية بسيطة، وربما مكامن السخرية والطرافة، على هامش المعارك والأحداث الجسام في تاريخ المجتمعات.
محملا بتجربته في الكتابة داخل ساحة تخيم عليها الحروب منذ عقود طويلة، يتحدث الكاتب الفلسطيني زياد خداش بلسان جيل حاول، مجازا، التخلي عن هيمنة المأساة الكبرى على النصوص الأدبية، والمغامرة بكتابة العوالم الفردية وتمثل الحرية والتميز في مقاربة الموضوع السردي. لكنه يعود ليذكر بعبثية البحث عن نص يصفو من غيوم واقع الاحتلال وتفاصيل المأساة اليومية.
“نريد الكتابة عن الحياة، لكن الغريب هو أن تكون الحياة هي الحرب”، يقول صاحب المجموعة القصصية “الجراح تدل علينا” الذي يشدد على أن المبدع الفلسطيني يود لو يكتب عن شخصيات عادية في حياة عادية، لا عن أبطال ولا ملائكة.
أما القاص المغربي هشام ناجح، فشدد على أن القصة عن الحرب تستدعي كتابة بحس جمالي لا عاطفي، مستدعيا العديد من النماذج المرجعية في تاريخ الرواية والقصة العالمية. أغلب النصوص القصصية التي كتبت عن الحرب في العالم العربي اكتست، حسب المتحدث، طابعا “توثيقيا” يفقدها الكثير من قيمتها الفنية. ينبغي أن “تتحول الدماء في النص القصصي إلى مداد”.
وانطلقت أرضية الندوة من أثر قديم للحرب على الأدب بدءا من الإلياذة والأوديسا التي وثق فيها هوميروس لحرب طروادة. فقد ساهمت الحروب في اغناء الخزامة الأدبية والسينمائية الكونية بأعمال أدبية وفنية عظيمة، خصوصا من روايات وأفلام. فكان من الوجاهة تسليط الضوء على تفاعل القصة، هذا “الجنس الأدبي الهش” مع حروب المنطقة. كيف سجلتها؟ وبأي حبر دونتها؟ بأي مجازات، وبأي لغة؟”.
ن ف