في مشهد غير مألوف بالنسبة لعيد الأضحى، يستعد ملايين المغاربة هذا العام لاستقبال المناسبة الدينية دون أضاحي، بعد أن تعذّر على عدد كبير من الأسر اقتناؤها بفعل ارتفاع الأسعار ونُدرة القطيع الوطني، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الحكومة التي أنفقت ما يزيد عن 61 مليار درهم على القطاع الفلاحي دون نتائج ملموسة.
و حمل عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، حكومة عزيز أخنوش مسؤولية ما وصفه بـ”الحرمان الجماعي” للمغاربة من أضحية العيد. وأكد خلال اجتماع للمجموعة البرلمانية للحزب، أن السياسات العمومية التي تبنّتها الحكومة في تدبير القطاع الفلاحي، وعلى رأسها قطاع تربية الماشية، “أثبتت فشلاً ذريعاً”، داعياً إلى محاسبة المسؤولين.
وأشار بووانو إلى أن الحكومة، منذ توليها المسؤولية، ضخّت اعتمادات مالية ضخمة للقطاع، بلغت أكثر من 61 مليار درهم، خُصّصت لمواجهة آثار الجفاف، ودعم استيراد الماشية، وإلغاء الرسوم الجمركية، فضلاً عن برامج الدعم الأخرى. إلا أن هذه المبالغ، بحسب تعبيره، لم تُثمر لا في الحفاظ على القطيع الوطني، ولا في خفض أسعار اللحوم التي وصلت مستويات غير مسبوقة.
وانتقد المتحدث ما اعتبره “تحايلاً في توجيه الدعم”، حيث تم توجيه الأموال إلى فئة محدودة من المستوردين، بعضهم لا تربطه أي صلة بالقطاع الفلاحي أو تربية الماشية، في حين تم تهميش الكسابة والمربين المحليين الذين يعانون من ضغوط كبيرة في ظل الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، وأضاف بووانو أنه لو تم توزيع هذا المبلغ الضخم ـ 61 مليار درهم ـ على الأسر المغربية، لكان بالإمكان تمكين كل أسرة من أضحية بقيمة 3000 درهم، دون حتى استهلاك الميزانية كاملة.
في خضم هذه الأزمة، جاءت الإهابة الملكية بعدم ذبح الأضاحي هذا العام كخطوة اعتبرها بووانو “حكيمة وواقعية”، إذ جنّبت الأسر المغربية مزيداً من الإحراج والضغط الاقتصادي، وسمحت بفرصة حقيقية لإعادة تأهيل القطيع الوطني، الذي تضرر بشكل بالغ من توالي سنوات الجفاف وسوء التسيير.
غياب الأضاحي هذا العام ليس سوى أحد تجليات أزمة أعمق يعيشها المغرب في ما يتعلق باللحوم الحمراء، حيث شهدت الأسواق منذ أشهر ارتفاعاً مهولاً في الأسعار، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وسط شكاوى من تراجع العرض واحتكار التوزيع. ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم في بعض المناطق إلى أكثر من 120 درهماً، ما جعل اقتناءه بعيد المنال لكثير من الأسر المتوسطة والفقيرة.
ويرى متتبعون أن الأزمة تعود إلى تراجع أعداد رؤوس الأغنام والأبقار في السنوات الأخيرة، نتيجة الجفاف المتكرر، وارتفاع أسعار الأعلاف، وضعف الدعم الموجه مباشرة إلى صغار الفلاحين، ما أدى إلى موجة من الإفلاس والهجرة من الريف نحو المدن، و اضاف محللون أنه على ضوء هذه التطورات، تتزايد الدعوات، خاصة من المعارضة، إلى فتح تحقيق شامل في كيفية تدبير الأموال العمومية المخصصة للقطاع الفلاحي، وتقييم مدى نجاعة برامج الدعم، ومحاسبة من ثبت تقصيره أو تلاعبه بالمال العام، كما تبرز مطالب بإعادة هيكلة سياسة الأمن الغذائي الوطني، لتشمل دعماً مباشراً ومستداماً لصغار الكسابة، وتطوير سلاسل الإنتاج الحيواني، وتحسين ظروف التربية والوقاية الصحية للقطيع، حتى لا تتكرر أزمة مشابهة في السنوات المقبلة، و اضاف المحللون أن ما يعيشه المغرب اليوم من أزمة في قطاع اللحوم وتربية الماشية لا يمكن اختزاله فقط في ظرفية الجفاف أو تداعيات ارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً، بل يكشف عن خلل هيكلي أعمق في المنظومة الفلاحية، وخصوصاً في ما يتعلق بالأمن الغذائي وتدبير الموارد العمومية، مضيفين ” فعلى عكس النموذج المغربي، اختارت دول مجاورة مثل تونس والجزائر توجيه دعم مباشر للكسابة الصغار، وربط الدعم بإنتاج فعلي ومراقب، مع تعزيز شبكات التخزين والبيع المحلية، وهو ما مكّن هذه البلدان من تجنّب اضطرابات حادة في العرض والأسعار رغم أنها تواجه نفس الظروف المناخية والضغوط الاقتصادية، كما أن دولاً مثل تركيا والمغرب سابقاً في العقد الأول من الألفية، كانت تعتمد على برامج استباقية لتأمين القطيع الوطني، من خلال تعزيز سلاسل التبريد والنقل، وإحداث بورصات جهوية لبيع اللحوم، ما مكّن من تنظيم السوق وضبط الأسعار.
و اكد مراقبون أن غياب هذه الآليات اليوم، وترك السوق لمضاربات عدد محدود من الوسطاء والمستوردين، أدى إلى زعزعة التوازن، في غياب رقابة فعالة أو سياسة واضحة للتدخل عند الأزمات.
و اعتبر مراقبون أن أزمة الأضاحي هذا العام، رغم قسوتها الاجتماعية والرمزية، قد تشكل فرصة للدولة لإعادة النظر في السيادة الغذائية للمغرب، وربطها بعدالة توزيع الدعم، وحكامة التدبير، وعدالة الوصول إلى المنتوج الفلاحي، ففي النهاية، لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو “المغرب الأخضر” ما لم يشعر المواطن البسيط بأثر السياسات العمومية في مائدته اليومية، وفي قدرته على تأمين حاجاته الغذائية الأساسية، خاصة في مناسبات دينية ذات رمزية عالية كعيد الأضحى.