احتفاء فرنسي بالفلاحة المغربية. المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس. اهتمام إعلامي كبير بالحضور المغربي.
الحكاية لا تقف عند هذا الحد، لأنها ممتدة إلى قضايا أخرى. فأي مغربي يريد أن يرى بلاده رأسها مرفوع بين الأمم في كافة المجالات. وكلنا نصفق عندما نرى العالم يتسابق للنهل من التجربة التي حققها المغرب في مجال مكافحة الإرهاب والشبكات الدولية للاتجار في البشر والمخدرات. فرح مغربي يوازيه تطوير ثقافة حقوق الإنسان لدى رجل الأمن.
لكن هل الأمر نفسه يقال عن الفلاحة المغربية؟ هذه الفلاحة التي يتم الاحتفاء بها والرفع من قيمتها بفرنسا، وتصبح حديث وسائل الإعلام بعاصمة الأنوار باريس، هل استطاعت أن تخلق شكلا موازيا داخل أرض الوطن؟ هل حققت ما حققه القطاع، الذي ضربنا به المثل، بالنسبة للمواطنين المغاربة؟ هل استطاعت مشاريع الحكومة حماية الأمن الغذائي الوطني؟
لم ينل الأمن قيمته من كونه له مهارات كبيرة دوليا ولكن لأنه حقق شيئين مهمين داخليا، بناء العنصر البشري المتسمك بحقوق الإنسان وحماية الأمن الداخلي وضمان الاستقرار والسلامة والطمأنينة للمواطنين.
فلا فخر للفلاحة المغربية إن لم تحقق الأمن الغذائي للمواطنين. إن لم تستطع الحكومة والساهرون على القطاع خلق التوازن بين الفلاحات التصديرية، التي يفتخر بها الآخر، وبين تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين المغاربة، الذين لم يعودوا قادرين على توفير الحاجيات ناهيك عن الكماليات، وكثيرا من المواد الاستهلاكية أصبحت اليوم من ترف الأكل.
لماذا يفتخر الآخر بفلاحتنا؟ لا يمكن للأجنبي أن يعتز بمنتوجك إن لم يكن هذا المنتوج يحقق أهدافه ورغباته هو، فالفلاحة المغربية التي يعتز بها الفرنسي ويفخر بها ويعطيها قيمة، ليست لأنها فلاحة منتجة ومهمة ولكن لأنها تحقق له حاجياته الغذائية.
آخر التقارير الدولية، خصوصا التي أنجزها البنك الدولي، تفيد أن المغرب مقبل على مجاعة حقيقية إن لم يقم باستدراك الوضع وتصحيح الأوضاع، فالمجاعة ليست معطى طبيعي ولكنها صناعة هنا، لأن الحكومة التي راكمت الخسائر والفشل التاريخي، هي التي أوصلتنا إلى هذه النقطة، فقد دخل المغرب منذ أكثر من 16 سنة في مخطط المغرب الأخضر، الذي كان عنوانه تطوير الفلاحة المغربية ودعم الفلاح المغربي وتكوينه حتى يكون على مستوى التطورات التي يعرفها العصر الحاضر.
لكن الذي حصل هو أن من كان يقود مخطط المغرب الأخضر كان يفكر في شيء واحد، هو المردودية سواء من خلال الاستيراد أو التصدير. فتم الترويج لموضوع خطير هو استيراد المواد التي سيكون ثمنها منخفضا، لكن هذا الأمر قضى على فلاحات أصبح استيرادها اليوم مرتفعا، والعناية بالزراعات التصديرية، وكان الغرض هو توسيع رقعة التصدير على حساب الفلاحة المعيشية الضامنة للسيادة الغذائية.