مهما طال الزمن لابد أن ينتصر الحق على الباطل، فبعد الموقف الفرنسي، الذي أعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون، في رسالة بعث بها إلى جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش المجيد، والتي أكد فيها على دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي، المقترح من قبل المغرب منذ 2007 قصد إيجاد حل للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، (بعد ذلك) يستيقظ الوعي لدى الساسة في فنلندا، التي اعتبرت أن المخطط المغربي للحكم الذاتي “أساسا جيدا لحل” للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
رسميا فنلندا تعتبر مخطط الحكم الذاتي المقدم سنة 2007، مساهمة جادة وذات مصداقية في المسلسل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة وأساسا جيدا لتسوية متوافق بشأنها من قبل الأطراف، وترى أنه دعامة رئيسية للمسلسل السياسي الرامي إلى التوصل إلى حل سياسي عادل، ودائم، ومقبول من الأطراف.
وأهم ما في هذا الموقف هو أن فنلندا كانت في المنطقة ما فوق الرمادية، حيث جاء هذا الموقف لينسخ المواقف المعبر عنها سابقا في هذا البلد، والتي كانت في الغالب مناوئة للمغرب، بما يجعل الموقف الحالي تحولا جذريا، سيساهم لا محالة في إحراج خصوم الوحدة الترابية، المتمسكين بالمواقف المتهالكة، بل سيجعل داعمي المرتزقة في حرج شديد، إذ يوجد أمام الجميع مقترح جدي لحل المشكل بما يرضي الجميع، وبالتالي الهروب في شعارات قديمة هو تنصل من الالتزامات المعقولة.
ومن المؤكد أن هذا الموقف ستكون له تفاعلات جذرية، باعتبار فنلندا أول دولة من دول الشمال الأوروبي تدعم رسميا وبشكل صريح، مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب. بما يعني أنه من الممكن أن يتحول إلى نموذج بحتذى من قبل باقي جيرانها من الدول الاسكندنافية.
ويعزز هذا الموقف دينامية المواقف المشابهة في الاتحاد الأوروبي باعتبارها اليوم هي العضو السابع عشر الذي يعترف بجدية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ويمكن القول وبكامل اليقين أن موقف فنلندا هو وليد الدينامية الدولية التي تبلورت بفضل الزخم الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، على مدى السنوات القليلة الماضية؛ حيث عبرت العديد من الدول، من جميع مناطق العالم، عن دعمها لسيادة المغرب على صحرائه، ولخطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ومن أهم مميزات الموقف الفنلندي أنه موقف الدولة، وهو موقف منبثق عن مكونات هذه الدولة، وليس طرفا دون آخر، واجتمعت في بلورته الأجهزة التشريعية والتنفيذية، كما تم اتخاذ هذا القرار بالتشاور مع الرئيس الفنلندي، وبعد التشاور على مستوى الحكومة ومع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان.
اعتراف فنلندا بجدية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، يعتبر لحظة فارقة وعلامة بارزة على تحولات عميقة ستعرفها مواقف أوروبا الشمالية التي من شأنها التأثير على مواقف الاتحاد الأوروبي والخروج من المستوى الرمادي في الموقف من الصحراء المغربية.