انضمت فرق الأغلبية في مجلس النواب إلى الأصوات المتزايدة التي تبدي قلقها من السياسة الفلاحية التصديرية التي تعتمدها الحكومة، مستندةً في ذلك إلى تقارير رسمية وغير رسمية، فضلًا عن تحذيرات الخبراء.
وطالبت هذه الفرق بمراجعة حجم الاستثمارات الفلاحية الموجهة للتصدير، خاصة في ظل أزمة الجفاف الحادة التي تضرب البلاد، مؤكدةً ضرورة ترشيد استغلال الموارد المائية بما يضمن الأمن المائي ويعزز الاكتفاء الذاتي الغذائي.
وخلال جلسة عمومية بمجلس النواب، نوقش تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2023-2024، حيث شدد الفريق الاستقلالي على أن تدبير الموارد المائية ليس مجرد سياسة قطاعية، بل قضية وطنية تتطلب تنسيقًا حكوميًا شاملاً. وأكد الفريق أن السياسة المائية يجب أن تتكامل مع الاستراتيجية الفلاحية لضمان استدامة الموارد الطبيعية، محذرًا من الاستمرار في تخصيص المياه للزراعات التصديرية على حساب احتياجات المواطنين.
من جانبه، حذر فريق التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الائتلاف الحكومي، من تفاقم أزمة الجفاف، معتبرًا أن الظرف الحالي يستدعي تكثيف الجهود لمواجهة الإجهاد المائي. ورغم الانتقادات الموجهة للحكومة، فقد دافع الفريق عن “الإنجازات المحققة”، مشيرًا إلى رفع القدرة التخزينية للسدود من 18.7 مليار متر مكعب إلى 20.7 مليار متر مكعب، إضافةً إلى مضاعفة عدد محطات تحلية مياه البحر من 8 إلى 15 محطة، بطاقة إجمالية تبلغ 192 مليون متر مكعب سنويًا.
أما فريق الأصالة والمعاصرة، فقد شدد على ضرورة تسريع تنفيذ البرنامج الوطني للتزود بالمياه الصالحة للشرب ومياه السقي، داعيًا إلى احترام الآجال المحددة لإنجاز المشاريع الكبرى، ولا سيما بناء السدود الجديدة ونقل المياه بين الأحواض لضمان توزيع عادل للموارد المائية. وحذر من التراخي في التعامل مع أزمة المياه، معتبرًا أن المرحلة تتطلب اتخاذ قرارات جريئة للحفاظ على الأمن المائي للأجيال المقبلة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن المغربي من ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه بسبب موجات الجفاف المتتالية، تستمر صادرات المملكة الفلاحية في الازدهار، متجاوزةً 83.2 مليار درهم خلال عام 2023، بحسب رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وتضم هذه الصادرات الطماطم، والأفوكادو، والحمضيات، والتوت الأزرق، مما يثير تساؤلات حول مدى توازن السياسة الفلاحية بين تلبية احتياجات السوق المحلي ومتطلبات التصدير.
وتعزو الحكومة هذا النمو في الصادرات إلى ارتفاع الأسعار العالمية وتحسين جودة المنتجات المغربية، مشيرةً إلى أن مشروع تحلية مياه البحر في الداخلة، المتوقع إنجازه بحلول 2025، سيضيف 5000 هكتار جديدة من الأراضي الزراعية المسقية، ما يعزز الإنتاج الموجه للأسواق الخارجية.
إلا أن هذا التوجه يثير مخاوف الخبراء، الذين يحذرون من أن استمرار الاعتماد على الفلاحة التصديرية قد يؤدي إلى تفاقم أزمة المياه ويضرّ بالأمن الغذائي الداخلي. وفي هذا السياق، ترى الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أن السياسة الفلاحية المتبعة منذ 17 عامًا “لم تحقق الأهداف المرجوة”، بل ساهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الاعتماد على الاستيراد.
وتواجه المملكة اليوم أزمة غذائية واضحة، تتجلى في ارتفاع الأسعار وتراجع الإنتاج المحلي، حيث بات المواطن المغربي يشعر بتداعيات هذه السياسة في حياته اليومية. ويرى المختصون أن استمرار هذا النهج سيزيد من هشاشة الأمن الغذائي، خاصة في ظل التحولات المناخية والاضطرابات الاقتصادية العالمية.
وفي ظل هذه التحديات، تتزايد الدعوات إلى تبني سياسة فلاحية جديدة قائمة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الفلاحة المستدامة، بما يضمن الأمن الغذائي للمغاربة ويحمي الموارد المائية من الاستنزاف.