مصطفى المنوزي*
تابعت بإمعان الحوار المفتوح الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني مع القيادي محمد أوجار، والذي تخللته مداخلات ورسائل سياسية كثيرة، بدل تفاعلات مع أسئلة محاورته ومحاوريه الصحافيين؛ كانت بمثابة دفاع عن تجربة الأغلبية الحكومية بقيادة حزب التجمع الوطني للمستقلين (وفق الترجمة الصحيحة ل RNI )، أي تجمع للمرشحين دون انتماء سياسي، حيث لم يكن في الساحة سوى حزب الإستقلال وحزب الحركة الشعبية بتنظيمه ( المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب) ثم الإتحاد الوطني للقوات الشعبية (عبد الله إبراهيم ) الذي شارك بعض مناضليه ضمن مرشحي نقابة الإتحاد المغربي للشغل؛ ثم الإتحاد الوطني / الإشتراكي (عبد الرحيم بوعبيد )؛ وما أثار الرأي العام هو طريقة ومحتوى تفاعله مع سؤال حول تناقض المعطيات وتقييمها فيما بين ما يرد في تقارير هيئات ومؤسسات الحكامة والإستشارة والمؤسسات الوطنية، وبين تقارير وتصريحات الحكومة؛ فقد اعتبر، وبنوع من الحدة في الخطاب، بأنه لا يعقل أن تظل هذه المؤسسات والهيئات حكرا على اليسار، الذي أعضاؤه يحملون معهم تمثلاتهم وتصوراتهم ” اليسراوية ” المذهبية إلى اليوم، وعندما قاطعه صحافي بالقول بأن رؤساء هذه الهيئات والمؤسسات يعينهم الملك، عقب بأنه يقصد باللوم هؤلاء الذين يقترحون أسماء الشخصيات المعينة؛ وأردف بأن هذا الأمر يعتبر وسيلة لشرعنة الريع وتحفيزه، وقد حان الوقت لتمكين أحزاب أخرى غير أحزاب اليسار؛ وهنا يطرح السؤال أو التساؤل: هل للرسالة علاقة بمستقبل التحالفات الحزبية في ارتباط مع الإعداد للإستحقاقات المقبلة، مع الإشارة إلى أن السيد الوزير/ السفير كان يتحدث بوثوقية كبيرة عن احتمال قوي لفوز حزب الحمامة بولاية حكومية / تشريعية ثانية؟ أم أن الأمر يتعلق بشغور بعض المناصب ذات الصلة ، بعد تعيين محمد رضا الشامي سفيرا (الإجتماعي الإقتصادي) وإعفاء أحمد العلمي الحليمي ( التخطيط ) وكذا جامع بيضا (الارشيف) وقبلهم جميعا إدريس الكراوي (المنافسة)، والحاجة إلى شخصية تتولى مسؤولية رئاسة الدينامية الجديدة والتي أُعلن عنها في الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان لهذه السنة التشريعية الجارية؟ أو أن للأمر علاقة بالتحضير لكل الوقائع ذات الصلة بالقضية الوطنية وكأس العالم وكل المشاريع المقبلة وكذا بالإنتقالات السياسية والتحولات الإقتصادية والإجتماعية المقبلة، وفي سياق تنويهه بالتجارب الحزبية السابقة، ركز بالتخصيص على عبد الرحمان اليوسفي وتجربته ، والتي أشاد بها بتفرد خاص؛ وكأن بالسيد الوزير/ السفير يلمح بواقعة الإستغناء عن ” اليسار ” (دون أن يحدده) في أي تجربة تناوب محتملة ، مع التذكير (من طرفنا) بأن من سبب خوض تجربة التناوب التوافقي في ظل حكومة عبد الرحمن اليوسفي والتي كان الوزير ضمنها وزيرا مكلفا بحقوق الإنسان؛ كعلة أساسية هو ضمان الإنتقال السياسي السلس للملك؟ أم أن عودة دفء العلاقات المغربية/ الفرنسية سيقتضي كثير من التغييرات في الدواليب، وضمنها (ما جاء في السؤال السابق) وخاصة في العلاقة مع الملفات الحقوقية العالقة وكذا كل ما له صلة في هذا الصدد من تعاون في مجال الأرشيف و الأمن والدفاع ؟
لقد كانت مجريات الحوار خطاب بوح صريح بلكنة الحزم والشدة، متضمن لرسائل غير مشفرة في صيغة ملف مطلبي وبرنامج انتخابي يدين الفساد هنا وهناك بعد تعميم الاشتباه في الجميع؛ وعلى المعنيين به، وعلى الخصوص المسؤولين حاليا في قيادة حزب الوردة، أن يتفاعلوا مع الإشارات؛ وإن كان، في نظرنا المتواضع، أن أغلب من ترأسوا هيئات أو مؤسسات الحكامة والإستشارة، لم يكونوا بالضرورة متحزبين عضويين، وحسب التجربة فقد كانت قراراتهم دولتية العقيدة وكانوا مخلصين للعهد والأمانة، وأن اختيارهم كان بناء على ثقة خاصة لدى الدولة وعقلها الأمني، رغم أن الغاية من تعيينهم هي إضفاء المصداقية على المنصب نفسه بحكم تاريخ الحزب الذي ينتسبون إليه أو محسوبين عليه. وقد أكدت التجربة أن أغلب من اندمجوا طواعية في المعمعان صاروا رجال الدولة أو رجال دولة، لا فرق؛ ليبقى السؤال المفتوح: هل في الأمر إرادة سياسية قوية وحقيقية لمناهضة بيئة تفاقم الإقتصاد السياسي الريعي المهيكل للدولة الرخوة والذي أساسه أن التعيينات أوالانتخابات تتحول كميا إلى رشوة سياسية ، وكيفيا تجتهد آلة الإستقطاب والإدماج لأجل صيرورة تحمل المسؤوليات لفرصة للإغتناء غير المشروع وإستشراء الفساد!
*رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن