دخلت فرنسا مرحلة جديدة في سياساتها الصحية الطموحة لمكافحة التدخين، وذلك عبر تطبيق حظر شامل على التدخين في عدد من الفضاءات العامة المفتوحة، من بينها الشواطئ، المتنزهات، أماكن انتظار الحافلات، والمناطق المحيطة بالمؤسسات التعليمية والمكتبات، وذلك ابتداءً من يوم الأحد 15 يونيو 2025.
ويأتي هذا الإجراء بعد نشر النص القانوني المرتبط به في الجريدة الرسمية الحكومية يوم السبت، ليبدأ تنفيذه قبل يوم من الموعد المقرر، في مؤشر على جدية السلطات في التصدي لظاهرة التدخين السلبي، خصوصًا مع اقتراب العطلة الصيفية وتزايد ارتياد الأطفال وأسرهم لهذه الفضاءات.
حماية للصغار والبيئة
ويستهدف هذا القرار، وفقًا لوزارة الصحة الفرنسية، تقليص تعرض الأطفال والمراهقين للدخان السلبي، وتوفير بيئة نظيفة وصحية في الأماكن العامة، خاصة تلك التي يرتادها المواطنون لقضاء أوقات الراحة والاستجمام.
ووفقًا للتعليمات الجديدة، يُمنع التدخين على مسافة 10 أمتار من المؤسسات التي يتردد إليها القُصّر، بما في ذلك المدارس، حمامات السباحة، المكتبات، والمراكز الترفيهية. كما سيُجرى تثبيت لوحات إرشادية في المناطق المشمولة بالحظر لتوضيح الحدود الجغرافية للمنع.
عقوبات للمخالفين
في حال ضبط أي شخص مخالف لهذا الحظر، تُفرض عليه غرامة مالية تصل إلى 135 يورو، وقد ترتفع إلى 700 يورو في حال التكرار أو عدم الامتثال، ما يعكس عزم الدولة على تفعيل الإجراءات العقابية بفعالية، وخلق ثقافة عامة جديدة تحترم الصحة العامة والمساحات المشتركة.
خطوة ضمن خطة أشمل
ويُعتبر هذا القرار جزءًا من خطة وطنية أوسع لمحاربة التدخين، حيث سبق أن أقدمت فرنسا على رفع أسعار السجائر تدريجيًا، ومنعت التدخين في الأماكن المغلقة، وفرضت تغليفًا موحدًا لعلب التبغ، إلى جانب حملات توعية تستهدف فئة الشباب بشكل خاص.
وحسب أرقام وزارة الصحة، فإن قرابة 25% من البالغين في فرنسا ما زالوا مدخنين منتظمين، رغم انخفاض ملحوظ في النسب مقارنة بالعقود الماضية. وتراهن الدولة على خفض هذه النسبة بشكل ملموس بحلول عام 2030، ضمن استراتيجية “جيل بلا تبغ”.
تباين في ردود الأفعال
وقد قوبل القرار بترحيب واسع من قبل جمعيات الدفاع عن البيئة والهيئات الصحية، التي رأت فيه خطوة مهمة للحد من أضرار التدخين المباشر وغير المباشر، بينما عبّر بعض المدخنين عن استيائهم، معتبرين أن الإجراء يضيّق الخناق على حريتهم الشخصية في الفضاءات المفتوحة.
غير أن الخبراء يذكّرون بأن التدخين السلبي في الأماكن العامة لا يقتصر ضرره على المدخنين وحدهم، بل يشمل جميع مرتادي الفضاء، خاصة الأطفال، إلى جانب الأثر البيئي الكبير الذي تسببه أعقاب السجائر في الشواطئ والحدائق.
نموذج قد يُحتذى به؟
مع دخول هذا القرار حيز التنفيذ، تفتح فرنسا الباب أمام دول أوروبية وعربية أخرى للتفكير في تشريعات مماثلة، خاصة في ظل تصاعد التحديات الصحية والبيئية المرتبطة بالتدخين في الفضاءات العامة.
وبينما يترقب المتابعون مدى التزام المواطنين الفرنسيين بهذا الحظر، يبقى الأكيد أن فرنسا تخوض معركتها ضد التبغ بخطى واثقة، موجهة رسائل واضحة بأن صحة الأجيال القادمة لم تعد تحتمل التساهل.