في التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط نقرأ أن حوالي 52 في المائة يعملون مع تخفيض الدرجة العلمية. بمعنى أن الشغل لا يناسب المستوى العلمي المتحصل عليه خلال سنوات التكوين، وهذا راجع إلى كون الشباب بعد التخرج ينغمسون في أعمال قد لا تناسب مستواهم من أجل تأمين لقمة العيش.
لنطرح السؤال: لماذا وصلنا إلى هذا الوضع؟
قبل الجواب لابد من أن نكون منصفين في التطرق لهذه القضية، وضرورة الحديث عن تأسيس تكوينات خاصة أتت أكلها، خصوصا ما يتعلق بصناعة السيارات وصناعة الطيران، حيث يتم تكوين فئات شبابية في مستويات علمية وتقنية تتقن التخصص في مجال معين، وهذا يتم بطلب من الشركات، وبشراكة مع مؤسسات التكوين المهني، وهي طريقة مهمة حتى لا يضيع الجهد سدى، وحتى يبقى كل شيء في الطريق السليم.
لم تم تأسيس هذه التكوينات في إطار المواكبة العلمية والتقنية للمشاريع الكبرى، التي يشرف عليها جلالة الملك محمد السادس، حيث تم تأسيس تكوينات مواكبة لأغلب هذه المشاريع، وقد كانت النتائج مبهرة، لأن كل الموارد البشرية التي التحقت بهذه الصناعات كانت مؤهلة.
عود على بدء: لماذا أكثر من نصف الشباب يعملون مع تخفيض الرتبة العلمية المحصل عليها؟
يظهر من البداية أن هناك خللا ينبغي الإجابة عنه ومعرفته بدقة لتجاوزه وإلا لا معنى للعلم. يذكر الناس في إحدى مناطق جهة الرباط القنيطرة أن شركة أغلب العمل فيها هو مجهود عضلي، وقلة هم أصحاب الأهلية، لكنها تطلب ديبلوما قبل التشغيل، حتى لو كان ديبلوم في الحلاقة أو الطبخ.
القضية تكمن في كون التعليم بالمغرب كما التكوين غير مرتبطك بمحيطه، وأنه غير معني بالحاجيات المطلوبة، حتى أنه وقعت كارثة لو كانت في بلد تحترم فيه الحكومة المواطنين لقدمت استقالتها، وهي وجود حوالي 130 تكوين لم تعد موجودة في سوق الشغل. بمعنى مئات الآلاف ممن تخرجوا يحملون ديبلوما ليس لهم أي أفق ولا انتظار ولا أمل.
التكوين لما يكون بعيدا عن سوق الشغل أي عن محيطه يكون مجرد صب الماء على الرمل، والقرب من المحيط هنا يقتضي أمرين، الأول يتعلق بالحرف والمهن التي يطلبها سوق الشغل في فترات زمنية محددة، والثاني هو التكوين حسب الجهات.
هناك ظاهرة مثيرة للانتباه وهي أن أغلب التكوينات المهمة موجودة في محور الدارالبيضاء طنجة، وبالتالي فإن الشركات الموجودة في مدن بعيدة، ولو على قلتها لا تعثر على اليد العاملة بعين المكان، ولما يأتي الطلبة للتكوين في المدن الكبيرة يبحثون عن الاستقرار بها، وبالتالي نقع في خلل كبير من حيث توفير التكوين وتوفير حاجيات الشركات والمقاولات صغيرة كانت أو كبيرة، ولو تم حل هذا المشكل لتفادينا التشغيل مع خفض الرتبة.