قدمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها جملة من الملاحظات والتوصيات بشأن مشروع القانون رقم 03.23، المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، داعية إلى تعزيز المتطلبات الإجرائية لمكافحة الفساد، عبر مراجعة قواعد التقادم، وضمان حماية أقوى للمبلغين عن هذه الجرائم.
التقادم… من تاريخ الاكتشاف بدلًا من تاريخ الجريمة
شددت الهيئة على ضرورة تعديل مبدأ التقادم، بحيث يبدأ احتساب المدة من تاريخ اكتشاف الجريمة بدلًا من تاريخ ارتكابها، مشيرة إلى أن هذا التعديل سيغلق الباب أمام فرص إفلات المتورطين في قضايا الفساد من المتابعة والعقاب.
وأوضحت أن بقاء الموظف العمومي – وهو العنصر الأساسي المفترض في مثل هذه الجرائم – في منصبه، يمنحه القدرة على التستر على ممارساته غير القانونية، حتى تمر مدة التقادم، ما يؤدي عمليًا إلى طيّ الملفات وعدم محاسبته.
وأكدت الهيئة أن التقادم الحالي يؤدي إلى ضياع الأموال العامة، إذ إن بعض قضايا الفساد لا تُكتشف إلا بعد مرور المدة القانونية، ما يحرم الدولة من استرجاع الأموال المنهوبة. كما لفتت إلى أن بعض المتورطين في قضايا فساد يفرّون إلى الخارج، حيث لا تكون هناك اتفاقيات للتعاون القضائي، مما يجعل مبدأ التقادم القائم عائقًا أمام تحقيق العدالة.
وفي هذا السياق، نوّهت الهيئة باجتهادات محكمة النقض المغربية، التي اعتمدت في بعض القضايا احتساب التقادم من تاريخ اكتشاف الجريمة أو من تاريخ مغادرة الموظف المشتبه به لمنصبه، وهو ما يتماشى مع توجهات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
حماية المبلغين… تعزيز الضمانات القانونية
إلى جانب مراجعة التقادم، دعت الهيئة إلى مراجعة مقتضيات حماية المبلغين عن جرائم الفساد، مشيرة إلى أن الإطار القانوني الحالي يحتاج إلى تطوير، لا سيما في ظل السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء بخصوص تعديل أو سحب تدابير الحماية.
وأوضحت أن هذه السلطة يجب أن تكون مقيدة بمعايير واضحة، خصوصًا أن المبلغين ليسوا أطرافًا في القضايا، وإنما قاموا بدورهم في الإبلاغ عن الفساد. كما شددت على أن تعديل أو سحب الحماية يجب أن يكون بموافقة المبلغ، وليس بشكل منفرد من طرف السلطات المختصة.
وأضافت أن القوانين الحالية لا تحدد الجهة المخوّلة تلقي البلاغات، بما يضمن حماية المبلّغ من الملاحقة القانونية بتهمة إفشاء السر المهني، الأمر الذي يفتح الباب أمام التأويلات المختلفة، مما قد يعرقل عملية التبليغ.
كما اعتبرت الهيئة أن اشتراط «حسن النية» للاستفادة من تدابير الحماية يمثل عبئًا على المبلّغين، إذ يصعب إثبات ذلك في كثير من الحالات، مشيرة إلى أن الممارسات الدولية تركز على صحة المعلومات المبلّغ عنها بدلًا من دوافع المبلّغ نفسه. ومن ثم، اقترحت تعديل هذا المقتضى ليصبح «عدم ثبوت سوء النية» بدلًا من اشتراط حسنها، بحيث يكون عبء الإثبات على الجهة التي تدّعي تعسّف المبلّغ.
التقنيات الحديثة… أداة ضرورية لكشف الفساد
وفي سياق تعزيز آليات مكافحة الفساد، اقترحت الهيئة توسيع نطاق استعمال التقنيات الحديثة في البحث والتحري، معتبرة أن القانون الحالي لا يشمل جميع جرائم الفساد ضمن الجرائم التي يمكن فيها اللجوء إلى هذه الوسائل المتطورة.
كما دعت إلى تمكين قضاة التحقيق من صلاحية الإذن بالتقاط المكالمات واعتماد وسائل البحث التكنولوجية، دون الحاجة إلى طلب من النيابة العامة، بما يضمن مرونة أكبر في كشف الجرائم المالية المعقدة.
دعوة إلى تضمين المقترحات في القانون الجديد
وفي ختام تقريرها، شددت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها على ضرورة تحويل هذه الاجتهادات والمقترحات إلى قواعد قانونية واضحة ومُدرجة في النصوص التشريعية، بدلًا من الاكتفاء بإبقائها ضمن نطاق الاجتهاد القضائي.
وأكدت أن التعديلات المقترحة، ولا سيما ما يتعلق باحتساب التقادم من تاريخ اكتشاف الجريمة، وتعزيز حماية المبلغين، وتوسيع صلاحيات التقنيات الحديثة، من شأنها سد الثغرات القانونية التي يستغلها المتورطون في قضايا الفساد، وتعزيز فعالية آليات المحاسبة، مما يرسّخ مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام.