كشف تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” لعام 2025 عن صورة قاتمة للأوضاع الحقوقية في الجزائر، حيث سجل التقرير العديد من الانتهاكات والخروقات، أبرزها تقييد الحريات بمختلف أشكالها، قمع المعارضة، والطرد التعسفي لآلاف المهاجرين، بالإضافة إلى الحادثة المثيرة للاستياء المتعلقة باعتقال الكاتب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية بوعلام صنصال.
وحسب التقرير، واصلت السلطات الجزائرية قمع الأصوات المعارضة، وأغلقت الفضاء المدني عبر تقييد حرية التعبير والصحافة، ومنع تكوين الجمعيات والتجمعات، وممارسة التضييق على الحركة. كما أشار التقرير إلى أن الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2024 وأفضت إلى فوز عبد المجيد تبون مجددًا، شابتها خروقات حقوقية. إذ تم اعتقال عشرات الأفراد بسبب تصريحات أو أنشطة سلمية، مما يعكس تدهورًا في حالة الحريات العامة.
وانتقد التقرير بشدة القمع المتزايد لحرية التعبير في الجزائر، مشيرًا إلى اعتقال العديد من الصحفيين والنشطاء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، تم اعتقال الناشط محمد تجاديت، الذي تعرض لمضايقات وسجن عدة مرات منذ عام 2019. كما أُدينت الفنانة الفرنسية الجزائرية جميلة بن طويس بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية بسبب أغنيتها التي انتقدت القمع الممارس ضد احتجاجات الحراك الشعبي.
وفي مؤشر آخر على تدهور الوضع، أشار التقرير إلى تراجع الجزائر في تصنيف “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة لعام 2024، حيث احتلت المرتبة 139 من أصل 180 دولة، متراجعة ثلاثة مراكز عن عام 2023. وهو ما يعكس التحديات المتزايدة أمام الصحفيين في ممارسة عملهم بحرية واستقلالية.
وفي سياق القمع المتسارع، أوضح التقرير أن الجزائر قد وسعت بشكل متزايد تعريف “الإرهاب” منذ يونيو 2021، واستخدمت التهم المتعلقة بالإرهاب لتبرير قمع المعارضة السلمية. وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى اعتقال الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال في مطار الجزائر العاصمة، حيث وُجهت له تهم تتعلق بالإرهاب، مما يعكس استخدام السلطات الجزائرية للأدوات القانونية لتقويض الحريات العامة.
كما سلط التقرير الضوء على استمرار السلطات في قمع حرية تكوين الجمعيات والتجمع، مثلما حدث مع جمعية “أس أو إس المفقودون”، التي تمثل عائلات الأشخاص الذين اختفوا خلال سنوات العشرية السوداء. حيث تم منع هذه الجمعية من تنظيم فعاليات لحقوق الإنسان في الجزائر العاصمة. وذكرت المنظمة أيضًا أن السلطات تواصل منع العديد من النشطاء والصحفيين والسياسيين من السفر.
أما فيما يتعلق بحقوق المهاجرين، فقد أكد التقرير على استمرار الجزائر في طرد المهاجرين بطرق تعسفية وغير قانونية. بين يناير وأغسطس 2024، تم طرد نحو 20 ألف مهاجر من جنسيات أفريقية مختلفة إلى النيجر، حيث تعرضوا لظروف تهدد حياتهم في الصحراء. وأفادت التقارير بوفاة ثمانية أشخاص على الأقل عقب عمليات الطرد.
وأظهر تقرير “هيومن رايتس ووتش” لعام 2025 أن الجزائر تواصل إغلاق الفضاء المدني وقمع الحريات الأساسية، مما يعكس تدهورًا في حالة حقوق الإنسان في البلاد. في الوقت الذي تواصل فيه السلطات الجزائرية إغلاق أفق المعارضة السياسية وتقييد حقوق الأفراد، تبرز الصورة الحقوقية المظلمة التي تزداد قتامة مع مرور الوقت.