في صباحٍ مشمس من يوم الأحد 6 أبريل 2025، تحوّلت شوارع الرباط إلى نهر بشري من الأعلام الفلسطينية والكوفيات، حين تقاطرت أفواج من المغاربة من مختلف الأعمار والانتماءات، رافعين شعارًا واحدًا: “فلسطين قضية شعب”.
منذ ساعات الصباح الأولى، بدأ المواطنون يتجمّعون قرب أسوار باب الأحد.
لا شيء كاد يوقف تدفقهم: لا المسافة، ولا التعب، ولا حرارة الشمس.
العيون كانت متجهة إلى هدف واحد، نحو البرلمان، حيث ستنتهي المسيرة التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، تحت عنوانٍ حمل في طياته الغضب والرفض: “رفضاً للتقتيـل والتهجير والتطبيع”.
في طليعة الحشود، وجوه سياسية وحقوقية مألوفة. من فيدرالية اليسار، من الاشتراكي الموحد إلى النهج الديمقراطي. الجميع ترك خلافاته جانبًا ووقف في خندق واحد، يطالب بالعدالة ويدين التطبيع.
الهتافات كانت كالصراخ من قاع القلب: “الشعب يريد إسقاط التطبـيع”، “أمريكا عدوة الشعوب”، “غـزة تحت النـار وأمتنا نائمة”.
وبين الهتاف والدمع، كان الإحساس الطاغي أن فلسطين لم تعد مجرد قضية خارج الحدود، بل امتداد طبيعي للضمير المغربي.ج
أطباء ومهندسون، محامون وطلبة، نقابيون وحقوقيون… كلهم في الصف نفسه. حتى “أطباء من أجل فلسطين” وطلبة الطب والمهندسين انضموا بقبضاتهم المرفوعة.
المشهد كان جميلاً رغم ألمه، كأن الرباط لوهلة تحوّلت إلى القدس، كأن الأسوار تشهد على التضامن العميق والحنين الغاضب.
ورغم أن فروع الجبهة في مدن كبرى مثل الدار البيضاء ومكناس اختارت تأجيل مسيراتها المحلية، إلا أن ذلك لم يكن انسحابًا، بل التفافًا حول المسيرة الوطنية، في رسالة واضحة: المعركة واحدة، والموقف واحد.
وكانت الجمعة التي سبقت المسيرة أشبه بجولة أولى من طوفان الغضب الشعبي، حيث شهد المغرب أكثر من 100 مظاهرة في 56 مدينة.
من فاس إلى مراكش، من تطوان إلى أكادير، كل مدينة أرسلت صرختها: “الحرية لغـزة… الموت للعدوان”.
وفي خضم هذا الزخم الشعبي، لا يمكن إغفال السياق المؤلم الذي دفع الناس إلى الشوارع.
أرقام وزارة الصحة في غزة تكشف عن مأساة مستمرة: أكثر من 50 ألف شهيد، و115 ألف مصاب منذ 7 أكتوبر 2023.
الإبـادة مستمرة، ولا تزال الجثـث تحت الأنقاض، بينما العالم يُدير وجهه.