إدريس عدار
أفضل استعمال الجامع بدل المُفرّق، في المقارنة بين “دعاة” الحداثة و”دعاة” الأصالة، الذين على صوتهم بمناسبة طرح مدونة الأسرة للتعديل. أستعمل “الدعاة” هنا من “الدعوة”. معروف عندنا الدعاة الإسلاميين، ويطلق عليهم الحداثيون الفقهاء من أجل خلط الأوراق.
فلا الدعاة للأصالة أو الإسلاميون فقهاء، ولا الدعاة إلى الحداثة مفكرون. كلاهم يستدعي أفكارا أنتجها غيره ويروجها في المجتمع.
لو كان الدعاة الإسلاميون جادين، لكان أول أمر يقومون به هو تقديم رؤية منهجية من أجل التجديد الفقهي وإنتاج المعرفة الدينية، ولكن قصارى ما يقومون به هو ترديد ما تم إنتاجه في “محلات” أخرى، هي بدورها لا تنتج المعرفة، إنما تكرر ما أنتجه الماضون الذين رحلوا عن دنيانا من زمن بعيد، ودعاة الحداثة بدورهم لا ينتجون فكرة واحدة، وإنما يقومون بترويج ما أنتجه الماضون أيضا.
لهذا أرى أن الجامع بين الطرفين كبير جدا وهو أكثر مما يفرق بينهم.
يجمع بينهم أولا أنهم دعاة. صفة الداعية ليست مسيئة، ولكن هي تضع حدا بينه وبين الفقيه والمفكر ومنتج المعرفة والأفكار.
الداعية لا ينتج شيئا، ولكن يتوفر على قدرات على تسويق أفكر موجودة بالأصل، وفي بعض المدارس الدينية والمذهبية، يتم التمييز بوضوح بين علماء الدين وبين الخطباء والدعاة.
لا يقتصر الدعاة على الدين ولكن هم موجودون في سوق ترويج الأفكار.
أعطي مثالا فقط: ليس هناك فرق عندي بين الداعية أحمد الريسوني والداعية أحمد عصيد. الأول انتمى إلى اتجاه الأصالة وهو يروج أفكارا موجودة، وقد حاول الإعلام أن يصنع منه فقيها مقاصديا، لكن هذه صفة لا يمكن صناعتها. والثاني ينتمي إلى الاتجاه الحداثي ويطلق عليه الإعلام مفكرا حداثيا، لكن لا يمكن للإعلام أن يصنع مفكرا.
لا يمكن أن تكون فقيها مقاصديا قبل أن تكون فقيها، وفيما أنتجه أحمد الريسوني لا يوجد تعريف من إنتاجه يخلق من خلاله مسلكا خاصا به، حتى يسمى فقيها، لم يحسم مسائل كثيرة في الأصول حتى يمكن أن يتحدث عن المقاصد، التي لم يعرفها، والتعريف حدّ المعرفة ودونه تكون الفوضى. الريسوني اعتبر الأولين قد عرّفوا المقاصد وانتهى الأمر. لكن لما نتحدث عن الشيخ علال الفاسي نعثر لديه على تعريف خاص بالمقاصد، لكنه تعريف عكس ما فهمه أبو فحص، الذي أصبح يفضل التوفيق بمحمد عبد الوهاب رفيقي.
في مقال إنشائي في مجلة زمان يتحدث عن التنوير المقاصدي عند علال الفاسي، نعثر على اضطراب كبير في فهم المقاصد عند علال الفاسي. ولم يحدد مفهوم “التنوير المقاصدي”. وكيف يمكن تعريفها أو الجمع بين مفهومين الثاني سابق على الأول؟.
ولا يمكن كذلك أن تكون مفكرا تنويريا دون أن تكون لديك أفكار.
وهذا هو الجامع الثاني بين الطرفين. أي لا أحد من التيارين ينتج فكرة. فقيه بلا فقه. مفكر بلا أفكار.
نموذجان لعشرات النماذج.
يلتقيان في نقطة ثالثة ومهمة: استسهال المعرفة.