لم يقف الخطاب الملكي، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس مساء اليوم أثناء افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، (لم يقف) عند تشخيص الواقع والاعتراف بوجود الأزمة في أهم قطاع حيوي، أي الماء (وجعلنا من الماء كل شيء)، بل توجه رأسا نحو اقتراح العناوين الكبرى للحلول الممكنة والضرورية لإنقاذ البلاد، التي تعرف موجة جفاف غير مسبوقة، ولهذا ينبغي الانكباب بجدية على الموضوع وقال جلالة الملك ” لا ينبغي أن يكون مشكل الماء موضوع مزايدات سياسية أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية”.
فقد أصبح المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة.
لذا، ندعو لأخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية.
كما ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية.
وكلنا كمغاربة، مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء.
وهو ما يتطلب إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء. وعلى الإدارات والمصالح العمومية، أن تكون قدوة في هذا المجال.
كما يجب العمل على التدبير الأمثل للطلب، بالتوازي مع ما يتم إنجازه، في مجال تعبئة الموارد المائية.
أما على المدى المتوسط، فيجب تعزيز سياستنا الإرادية في مجال الماء، وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع.
فواجب المسؤولية يتطلب اليوم، اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، في إطار المخطط الوطني الجديد للماء.
أما في موضوع الاستثمار فقد ركز جلالته على الاستثمار المنتج، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة؛ لأنها توفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية.
وقال جلالته “ننتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار، دفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية.
وهو ما يتطلب رفع العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات.
فالمراكز الجهوية للاستثمار، مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود”.
وكان جلالة الملك محمد السادس افتتح البرلمان بغرفتيه مساء اليوم الجمعة، كما ينص على ذلك دستور المملكة، الذي تم إنجازه بطريقة تشاركية وصادق عليه الشعب المغربي في استفتاء فاتح يوليوز 2011، والذي كان بمثابة ثورة في مجال الحركة الدستورية المغربية، ويأتي هذا الافتتاح الحضوري ترسيخا للانضباط الملكي لقواعد الدستور والقانون، حيث أشرف جلالة الملك خلال سنتين تشريعيتين على افتتاح البرلمان عن بعد امتثالا لقانون الطوارئ الصحية، واليوم بعد انقشاع ضباب الجائحة، حضر جلالة الملك ليفتتح الدورة البرلمانية في انضباط تام لبنود الدستور.
فالدستور تشريعا يؤطر العمل الملكي وجلالة الملك هو الضامن الأسمى لتنفيذ بنود الدستور، ولذلك هي مهمة مضاعفة، فمن ناحية يصر جلالته على الخضوع التام لبنود الدستور بحذافيره، ومن جهة أخرى هو الوحيد القادر على منع أي انزياح عن الدستور، الذي هو نفسه يحدد مهام جلالة الملك.
لقد اقتنع المغرب ملكا وشعبا وهيئات سياسية بنمط للحكم متمثل في ملكية دستورية اجتماعية ديمقراطية، يشغل فيها جلالة الملك مهام رئاسة الدولة وإمارة المؤمنين، بينما المهام التدبيرية التنفيذية موكولة للحكومة والمهام التشريعية موكولة للبرلمان، وخلال 11 سنة بعد الدستور الجديد لم يحدث أي خلل في هذا الاتجاه، حيث قام جلالته بكل أدواره بما فيها الدور التوجيهي للحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية.
افتتاح جلالة الملك محمد السادس للدورة البرلمانية يمنح هذه المؤسسة دفعة قوية نحو التشريع والرقابة على العمل الحكومي لدعم مسار الإصلاح والتنمية.
الخطاب الملكي يشكل خارطة طريق واضحة المعالم ومحجة بيضاء ليلها كنهارها للعمل السياسي وللأحزاب والحكومة، وهو بمثابة علامة الطريق التي لا يزيغ عنها إلا هالك، حيث يوضح للجميع مكامن القوة وأين يوجد الضعف، كما يجسد لحظة فارقة في إعطاء الانطلاقة من جديد للأوراش الكبرى والإصلاحات العميقة.
يجسد افتتاح البرلمان بغرفتيه حرصا ملكيا منقطع النظير على الدور الدستوري لجلالة الملك، والتنزيل الفعلي للدور الدستوري المنوط به، مقدما بذلك نموذجا حيا من أعلى سلطة في البلاد في احترام الدستور و القوانين، ويجسد الحرص الملكي على كل بند من بنود الدستور، وهنا يأتي البند الذي يقضي بافتتاح البرلمان وترؤس المجالس الوزارية وتوجيه خطابات للأمة للتوجيه والإرشاد والتنبيه كقائد للأمة.
وفي كل افتتاح لدورة برلمانية يطرح جلالة الملك مشروعا على نواب وممثلي الأمة قصد التداول فيه والعمل على إنجازه، وتمثل هذه اللحظة عنوانا لمرحلة كاملة، لأن هذا الخطاب هو تجسيد للحظة دستورية، يتم من خلالها إغلاق صفحة وفتح أخرى والتوجه نحو المستقبل، بإرادة قوية وعزيمة صلبة وتصور سياسي واضح لا لبس فيه.
دور دستوري واضح لجلالة الملك وهو يقوم به دون زيادة أو نقصان، يوجه ولا يتدخل في عمل المؤسسات، التي هي حرة وتعمل بنفس ديمقراطي يحرص جلالته على ترسيخه بشكل كبير.
محطة أخرى من المحطات السياسية للمغرب ودورة أخرى من الحياة السياسية والتشريعية يعلن عنها جلالة الملك في انضباط تام لقواعد الدستور والقانون.