كانت الحكومة تقدم عشية كل فاتح ماي خطابا تحدد فيه معالم السياسة الاجتماعية تجاه الطبقة العاملة في القطاعين الخاص والعام، أما حكومتنا الحالية فهي لم تكتف بالاعتذار عما لم تنجز، ولم تكتف بتبرير عجزها عن القيام بواجبها، بل زعمت ما لم تقم به، وادعت “المعجزة” في تنفيذ مشروع الدولة الاجتماعية، ما بين أبريل 2022 وأبريل 2023، وكأن للدولة الاجتماعية برنامجا يمكن تنفيذه في “خمسة أيام”.
الدولة الاجتماعية أكبر من الحكومة بكثير، وغير مرتبطة بالحكومات الصاعدة والنازلة، وإنما هي ضمن الأركان الثابتة للدولة، وكان جلالة الملك قد أطلقها خلال مرحلة كورونا، بعد أن تبين أن مئات آلاف المغاربة عرضة للضياع لأنهم لا يتوفرون على تغطية صحية واجتماعية فأمر جلالته بتعميم التغطية الصحية على أن تتولى الدولة أداء واجبات انخراط كل المتوفرين على بطاقة راميد.
دور الحكومة هو تفعيل دورها التدبيري للانخراط في هذه الاستراتيجية. الحكومة تقول اليوم إنها حققت ذلك في سنة واحدة. وهذه تندرج ضمن “اللسان ما فيه عظم”. فهي تعودت على قول كل شيء حتى لو لم يكن صحيحا.
أي مشروع يدعي صاحبه أنه ناجح فعليه أن يثبت ذلك على أرض الواقع، ولسان الحال يغني عن المقال، ولسان الحال اليوم يقول إن الواقع مزرٍ للغاية، لأن ارتفاع تكلفة المعيشة وتحمل المواطن البسيط لوحده تكلفة الأزمة الصحية والحرب الأوكرانية، يوحي بأن الحكومة لا علاقة لها بالدولة الاجتماعية وإنما تخدم مصالح “الرأسمالية” الجشعة.
كيف يمكن الحديث عن تنفيذ مشروع الدولة الاجتماعية والمنظومة الطبية مهترئة والعرض الصحي بئيس للحد الذي لا يطاق، فكيف يتحدثون عن شمولية التغطية الصحية في غياب الصحة بأكملها؟
كيف نتحدث عن الدولة الاجتماعية في ظل إغلاق آلاف المقاولات لأبوابها، بسبب إجراءات الحكومة، مع ما ترتب عن ذلك من مآسٍ اجتماعية خطيرة، وتشريد عشرات آلاف من العمال، في وقت تزعم الحكومة خلق آلاف مناصب الشغل سنويا، وواقع الحال يقول إن الحالة الاجتماعية متدهورة للغاية، وغاية الحكومة المثلى هي إرضاء “تجمع المصالح الكبرى”.
كيف يمكن الحديث عن تنفيذ مشروع الدولة الاجتماعية في حين ما زالت عشرات بل مئات آلاف الأسر في المغرب العميق تعيش عزلة تامة، وظهر ذلك خلال موجة البرد والتساقطات الثلجية، حيث وقفت الحكومة عاجزة لولا تدخل مصالح وزارة الداخلية والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي لإنقاذ المهمشين في الجبال والوديان، الذين لا تصل عندهم الحكومة، وربما وصل عندهم حزب رئيس الحكومة عبر القافلة المعروفة قبيل الانتخابات التشريعية؟
الحديث عن الدولة الاجتماعية لا ينبغي أن يصبح موضوع مزايدات كلامية بين الفرقاء السياسيين، لأنه مشروع ملكي مطروح من باب الرعاية الملكية لأبناء الوطن كافة وهو مشروع يهدف إلى تأهيل المجتمع للتطورات القادمة ليس محليا ولكن عالميا ولا يمكن تأهيل المواطن في غياب الحد الأدنى من العيش الكريم.