محمد فارس
في سنة (1938) حدثَت مأْساة [ليلة الزّجاج المكسور] أو كما سمّاها النازيون يومئذٍ: [كريسطال ناخْت]، حيث قام النازيون بمداهمة منازل اليهود، وتكسير ما بها من أوانٍ، وأثاث، وقذْف السّكان إلى العراء.. وفي اليوم التالي، قام المواطنون الألمان، بإحراق البيوتات، وضرب أصحابها تحت حماية قوّات [إيسْ ــ إيس]؛ وفي اليوم الموالي، منعَ اليهودُ من الصّلاة في أكبر كنيس يهودي في [أوروبّا] وكان يوجد في مدينة [ميونيخ]، فتمّ تدميرُه بالكامل، وبنيَ مكانه مرْأَب للسّيارات.. سُئِلَ المارشال [غورينغ] عمّا يحدُث، فأجاب: [إنّ تطبيق القانون ليس من اختصاصي]، و[غورينغ] هذا، كان فاسدًا، ومُرتشيًا، وصاحب مصالح شخصية مثْلُه مثْل رئيس وزراء [إسرائيل] المدعو [نتانياهو] الـمُتابع في قضايا فساد، وهو تلميذ [شامير]، يسانده متديِّنون صهاينة، وهم الذين يُهجِّرون الفلسطينيين من بيوتهم في [حي الشّيخ جراح] تحت حماية الجيش الإسرائيلي، ويَمنعون الـمُصلّين من الصّلاة في [المسجد الأقصى]، ولا أحدَ يصفهم بالإرهاب.. قال الفيلسوفُ الألماني [هايدجير]: [التاريخ يوجد أمامنا، لا خَلْفنا]، وما يحدُث الآن في [فلسطين] يؤكّد صدْقَ هذه المقولة.. والإرهابُ مرتبطٌ بالعرب، وليس بالصّهاينة..
لما كان [هوشي منه] يكافح ضدّ الاستعمار الفرنسي، ثمّ ضدّ الاستعمار الأمريكي، لم يَقُل أحدٌ إنّه كان شيوعيًا، مُلْحِدًا؛ ولكنْ لـمّا قامت [حماس] فإنّها صارت إرهابية، مع العِلم أنّها ما تدخلتْ ولو مرّة في قضايا العرب، ولا وُجِدَ مجاهدٌ من (حماس) في [داعش]، أو [النّصرة]، أو [بوكُو حرام] أو [القاعدة] أو غيرِها من جماعات تخدُم مصالحَ صهيونية وتنفّذ أجندات إمبريالية تَقتُل الأبرياء في بُلدان إسلامية، وتفجِّر المساجد والـمُصلّون ركّع، سجود، وهو ما يذكّر بدَموية الحروب الصّليبية المقيتة، إلى درجة أنّها أباحت ما حرّم الله، وجعلتْه حلالاً مثل [نكاح الجهاد]، والغَدر، وتفجير السُّذج لأجسادهم ليظفَروا بحور العين، فيما رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: [الغدْر والخديعة في النار] ــ هكذا..
خلال الحرب العالمية الثانية، كان الشّيوعي الـمُلحد [أَندريه مالْرو] هو قائدَ المقاومة الفرنسية ضدّ الاحتلال النازي؛ فهل سمعتَ وقتئذٍ ولو فرنسيًا واحدًا يقول إنه يرفض مقاومةً على رأسها ملْحِدٌ شيوعي، مع العلم أن [فرنسا] كانت كاثوليكية المذهب وَقْتَها؟ فلماذا نحن اليوم نرفض مقاومةً فلسطينية على رأسها [حماس]، و[الجهاد] الإسلامي؟ دعْكُم من التّسميات، وركّزُوا على الأفعال، فلوْلاَ هذه المقاومةُ، لماتتْ قضيةُ فلسطين إلى الأبد.. فماذا فعلتِ [السلطة] منذ نشْأتِها غيْر التّوقيع على اتّفاقيات منذ مؤتمر [أوسلو]؟ هذه [السّلطة] الآن، تقمع الفلسطينيين، وتَمنعهم من التّعبير عن غضبِهم، فلو سمحَتْ [إسرائيلُ] بقيام دولة [فلسطينية]، لكانت دولةً ديكتاتورية تُقمَع فيها الحُرّيات، وكلّ أشكال التّعبير؛ وها أنتَ ترى أنّ [محمود عباس] ألغى الانتخابات خوفًا من سقوطه لعِلْمِه أنّ الشّعب الفلسطيني لم يعُدْ يثق به، ولا بسياسته؛ فماذا فعل بالقياس لِـما تقوم به المقاومةُ الفلسطينية الباسلة، وهي شرف كلِّ العرب؟
في سنة [1954]، اعتقَد الفرنسيون أنّ الڤيتناميين غيْر قادرين على الإتيان بمدافعَ وأسلحة ثقيلة إلى جبال وهضاب [ديان بيان فو] نظرًا إلى صُعوبة المسالك وكثافة الغابات، فكان الفرنسيون واهمين، لأنّ الإرادةَ الإنسانية، والرُّوح القتالية تُحقّق المستحيل؛ وهكذا، دكّ المقاومون مواقعَ الفرنسيين في ملْحمة تاريخية اسمُها معركة [ديان بيان فو] الخالدة وأُرغمتْ [فرنسا] على الاستسلام والخروج ذليلة من [ڤيتنام]؛ وقد تكرّرت الملحَمة في واقعة [كيسان] ضد الأمريكان، وقد كان في [ڤيتنام] الجنوبية وعاصمتُها [سايغُون] سلطةً مُوالية لأمريكا، تمامًا كما هو شأنُ [السلطة] في [رام الله] اليوم.. وبفضل المقاومة، حقّقت [ڤيتنام] وحدتَها، وصارت شعبًا واحدًا من شمالها إلى جنوبها؛ وكذلك سيكون مصيرُ [الضّفة] و[القطاع] والعاصمةُ [القدس] الشرقية، وستذوب أوهامُ [السلطة]، وستُحقّق الوحدة، وستقوم الدّولة الفلسطينية الـمُوحّدة.. لم يكُنْ أحدٌ يتوقّع، ومعهم [إسرائيل] أنّ المقاومةَ ستطوِّر أسلحتَها وستصنَع طائراتها الـمُسيَّرة، وذلك بفضل عقول فلسطينية، وهو ما لم تستطعْهُ دولٌ مستقلّة، لها موارد، ونَفْط، وأموال؛ وقطاعُ [غزّة] يعيش حصارًا خانقًا، فما رأيتُ (غزّاويًا) يركب قوارب الموت، ولا رأيتُ (غزاويًا) يتلقّى (قُفَفًا) في رمضان؛ إذن، [غزّة] ستبقى أرضَ العِزّة، والشّرف، وفخْر العُروبة والإسلام..