في خطوة وصفت بـ”المفصلية” ضمن مسار النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، أعلنت الحكومة البريطانية دعمها الرسمي لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة إياه “الحل الأكثر جدية ومصداقية وواقعية” لتسوية النزاع، وذلك على لسان وزير خارجيتها ديفيد لامي، الذي شدد على أن بلاده ستتحرك “انسجاما مع هذا الموقف على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية”.
ويُعد هذا الموقف البريطاني تحوّلا نوعيًا داخل المعادلة الأممية، حيث بات المغرب يتوفر على ثالث عضو دائم في مجلس الأمن الدولي يدعم بشكل صريح وعلني سيادته على الصحراء، إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ما يُرجح – بحسب مراقبين – أن تدخل القضية مرحلة جديدة من التعاطي السياسي والدبلوماسي داخل أروقة الأمم المتحدة.
ثقل مجلس الأمن… ومخارج إنهاء الاستعمار
توجّه الأنظار بات واضحًا نحو مجلس الأمن باعتباره الحاضنة المركزية لحسم النزاع، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية إبعاد الملف من “اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار”، التابعة للجمعية العامة، وهي اللجنة التي لطالما شكلت ساحة للمواقف الممانعة، وفي مقدمتها الجزائر، الرافضة لأي تسوية خارج إطار “الاستفتاء”.
ورغم أن إخراج الملف من اللجنة الرابعة لا يتطلب نظريًا تصويتًا من مجلس الأمن، إلا أن تبني هذا الطرح ضمن القرار الأممي السنوي في أكتوبر دون اعتراض (فيتو)، من شأنه أن يُمهد الطريق لتحرك فعّال داخل الجمعية العامة، حيث يكفي تأمين أغلبية بسيطة داخل اللجنة، بعد مبادرة من دولة عضو، لترجيح كفة المغرب وحلفائه.
الجزائر… الحضور دون تأثير
وبينما تستعد الرباط لتعزيز تحركاتها داخل الأمم المتحدة، تواجه الجزائر – العضو غير الدائم بمجلس الأمن حتى نهاية 2025 – تحديًا متزايدًا في الحفاظ على تماسك موقفها، خصوصًا بعد فشلها في فرض تعديلات على القرار الأممي رقم 2756 الصادر في أكتوبر 2024، ما دفعها إلى الانسحاب من جلسة التصويت في سابقة نادرة، ليُعتمد القرار بموافقة 12 عضواً وامتناع عضوين.
في المقابل، أظهرت الدبلوماسية المغربية انسجامًا لافتًا في كسب المواقف الدولية، ليس فقط عبر دعم دائم من واشنطن، بل من خلال تجنيد موقف فرنسي متقدم عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون رسميًا في رسالة إلى جلالة الملك، وبدأ تنزيله ميدانيًا بزيارة مسؤولين فرنسيين إلى العيون، واعتماد خريطة المملكة كاملة.
الصين وروسيا… مواقف ضبابية ولكن غير معطِّلة
رغم أن الصين لم تعلن دعمها الصريح للمقترح المغربي، إلا أن تصويتها لصالح القرارات الأممية حول الصحراء المغربية خلال السنوات الست الأخيرة، بعد امتناعها في 2018، يعكس تقاربًا مع الطرح المغربي، خاصة في ظل تحسس بكين من النزعات الانفصالية في مناطق مثل تايوان والتبت وشينجيانغ، ما يجعل من “الفيتو الصيني” خيارًا غير مرجح.
أما روسيا، التي تربطها بالجزائر مصالح عسكرية وتجارية وثيقة، فتكتفي غالبًا بالتصويت بالامتناع دون استخدام حق النقض، وهو ما يمنح هامشًا للمغرب في دفع الملف نحو الحسم، شريطة تفعيل قنوات حوار سياسي مع موسكو في المرحلة المقبلة، خصوصًا مع تنامي العلاقات الاقتصادية الثنائية.
الدول غير الدائمة… أغلبية مريحة للمغرب
تشير تركيبة مجلس الأمن الحالية إلى أن الرباط بإمكانها تأمين دعم من عدة دول غير دائمة العضوية، مثل كوريا الجنوبية، اليونان، الدنمارك، سلوفينيا، سيراليون، الصومال، باكستان، غويانا، بنما، والتي عبّرت أغلبها عن مواقف داعمة أو متفهمة لمقترح الحكم الذاتي.
ويأتي هذا التحول المتسارع في المواقف بينما تستعد الرباط للترشح لعضوية مجلس الأمن عن القارة الإفريقية خلال الدورة المقبلة، ما يعزز ديناميتها السياسية على المستوى الدولي، ويُسرّع من تحريك المسارات الأممية نحو تسوية نهائية.
نحو أفق حسم قريب؟
وفي تصريحات متطابقة لعدد من المسؤولين الأمريكيين، يتضح وجود إرادة سياسية قوية لدى إدارة واشنطن لدفع الملف نحو التسوية على أساس المقترح المغربي، حيث أكد السناتور ماركو روبيو أن بلاده ستُسهّل أي مفاوضات على هذا الأساس، واصفًا الحكم الذاتي بأنه الإطار الوحيد الممكن للحل المقبول من الطرفين.
وبالنسبة للرباط، فإن التحول الدولي المتنامي يمثل فرصة تاريخية لإغلاق أحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية، خاصة مع اقتراب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، والتي قد تحمل – وفق تعبير مسؤولين مغاربة – “بداية لصفحة جديدة في العلاقة مع الجيران الجزائريين، قائمة على التعاون لا الصراع”.