محمد فارس
[سانت إيگْزُوبيرّي: 1900 ــ 1944] طيار، وكاتب فرنسي شهير، اختفى في مهمّة في الحرب العالمية الثانية؛ ومن مؤلّفاته: [Terre des hommes]، و[Vol de nuit]، و[Pilote de guerre]؛ عرف هذا الكاتبُ المرموقُ، والطيارُ الشهير صحراءنا، فكان لا يَذْكُر الصحراويين في كتاباته، بل يَذْكُر المغاربةَ والمغرب؛ وكان غالبًا ما ينزل في مدنٍ كالعيون، والدّاخلة، وطرفاية، حيث نُصِبَ له تمثال هناك؛ عندما كان يَنقل البريدَ بطائرته من [فرنسا] نحو [إفريقيا]، كان ينزل ضيفًا على مواطنينا في صحرائنا، يَقضي معهم أيّامًا قبل كلّ رحلة طيران.. هذا الطيار، والأديب، لم يكُن خرّيجَ جامعةٍ أو كلّية طيران، بل إنّه أخفقَ في امتحانيْن لِوُلوجهمَا، واكتسبَ خبرةً في الطّيران بمجهوده الفردي، وصار أديبًا كبيرًا باجتهاده الشّخصي، فذاعَ صيتُه فيهما معًا، وخلال الحرب العالمية الثانية، طار في مهمّةٍ عسكرية ليلاً ولم يَعُد أبدًا، ولم يُعْثَر على طائرته إلاّ سنة (2000) في البحر الأبيض المتوسّط، وكان ذلك بواسطة صيّاد علِقَتْ في شبكته سلسلةٌ كان يرتديها الطّيارُ في مِعْصَمِه وعليها اسمُه..
[سانتْ إگزوبيري] كتب حتى للأطفال، ومن أبرز مؤلفاته [Le Petit Princ]، وأعتقد أنّ أديبًا كان طيّارًا [Long-courrier] يمْكن أن يضاهي في الموهبة والرّوعة الأدبية والأحلام التي يوحي بها الطّيرانُ ليلاً كما كان هذا الأديبُ، وحبّذا لو جعلْنا قُراءَنا الكبار، وقراءَنا الصّغار، يأْلَفون ويتمتّعون بروايات هذا الأديب لينسلخوا شيئًا ما عَنِ الهواتف النّقالة، ولعْنة التّفاهات، والسَّخافات، التي تُؤْذي العقولَ، وتجعلُها لا تلتفتُ إلى الكتب.. يا ليتكَ تقرأ وصْفَه للرّحلات الليلية الطّويلة وهو يتحدّث عن ظلمة الليل، وزرقة السماء المرصّعة بالنجوم، وهو يجتاز صحراءَنا، ويتحدّث عن مواطنينا الصّحراويين (les Hommes bleux) كما يُسمّيهم، ويُثْني عليهم كمغاربة مضيافين و(Sympathiques)؛ كان هذا الكاتبُ يذكُر [المغرب] وصحراءه، ومغاربة الصّحراء، فلا تجده يذكُر (الصحراء الغربية) أبدًا، ثمّ اسأَلوا من كانوا يعْرفونه في مدن [طرفاية، والعيون، والداخلة) وغَيْرها، وعن أية (صحراء غربية) يتحدّث الكذَبة والمغرضون؛ فهناك (صحراء مغربية)، فلا هي بغَربية، ولا هي بِشَرقية، ولا بأقلّ من ذلك، ولا أكثَر، بل هي (صحراءٌ مغربية) وقاطنوها مغاربة، حرَّرها عبْر مسيرة خضراءَ مظفرة مغاربة، كان سلاحُهم صورُ جلالة الملك [الحسن الثاني] طيب الله ثراه، والعلم الوطني، والقرآن الكريم؛ وكلّ أمٍّ ازداد لها صبِي في هذه الأثناء سمّتْه [المسيرة]، أي والله!
كان مواطنونا الصّحراويون يحتفلون بعيد العرش المجيد في كلٍّ من [تندوف] و[حاسي بيضا] حتى بعدما صارتَا تحت السّيادة الجزائرية بعدما تنازل عنهما [المغرب] رغم انتصاره في الحرب المغربية الجزائرية ظنّا منه أن [الجزائر] ستقدّر هذا الموقف المغربي وتُثمّنه، ولكن [الجزائر] تجاسَرتْ واعتقدتْ أن [المغرب] سوف يتنازل لها عن صحرائه المسترجعة كما توهّمتْ، ولكن [المغرب] قال: [إلى هذا الحدّ، وكفى!]؛ فصارت زُمَرُ الانفصال تهاجمُنا انطلاقًا من [أرضنا في تندوف]، وصارت ترعى الإرهاب، وتسمّي الإرهابيين جماعة تحرّر تنادي بتقرير المصير خلال [الحرب الباردة]، وهو اسم أطلقَه [كانون] على هذه الحرب بالوكالة، والتي خاضتْها الشعوبُ المستضعفة نيابةً عن الشّيوعيين، والرأسماليين.. كانت [الجزائر] تقمعُ المغاربةَ في [تندوف]، وتمنعهم من الاحتفال بعيد العرش، وتخرّب كلّ مظاهر الاحتفال، وتعتقل المحتفِلين بهذا العيد المجيد، وهو ما تفعله اليوم في [تندوف]، فتُرعب كلّ من رغبَ في العودة إلى بلده [المغرب]، وتجبرهم أمام كاميرات القنوات الكاذبة على رفْع أعلام [جمهورية صحراوية سريالية] لا وجودَ لها إلاّ في أوهام [الجزائر]، وانفصالييها الخونة، لكنّ الخدعة ما عادتْ تنطلي على عالمِ اليوم..
في سبيل أوهامها في صحرائنا المسترجعة، اغتالتِ الطّغمة العسكريةُ المكوّنةُ من جنيرالات [فرنسا] الاستعمارية، الرئيس [هواري بومدْيَن] بعدما أحسّت أنّه قرَّر أنْ ينفض يديْه من قضية مفتعلة اسمُها [الصحراء] مع التّخلّي عن زُمْرة إرهابية اسمُها [البوليساريو]، حيث وُجِّه إلى جسده (ڤايْروس) بواسطة (فلاش) آلة تصوير، فصار الرئيس [هواري ــ بومدْين] يموتُ بِبُطء، وتعذّرَ تشخيصُ مرضِه، ولـمّا كان يلفظ أنفاسَه الأخيرة، نُقِل إلى مصحّة لم تَشْتَغِل قطُّ، وكانت في طور الإنجاز.. كان [الهواري بومدين] يكتب مذكّراته، وكان يحدّد معالمَ سياستِه الجديدة لوِ استطال به العُمْر، فكان يكتب في ظلمة الليل، فكانت يدُه لا تحافظ على استقامة الأسطر، ولـمّا مات، اختفت تلك الكتابات، فظلّ كلّ واحد يَدّعي أنّه سلّمها لفلان، وفلان يقول إنّه دفَعها لفلان، وهكذا، لم تَظهر تلك الكتابات إلى يومنا هذا.. كان [الشّاذلي بنجديد] مجرَّد (مارْيُونيت) تتحكّم فيها الطّغمةُ العسكرية، وتديره كما تشاء، فجاء من بعْدِه [بوضْياف] وصرّح بأنّ [الجزائر] ليس لها مشكل مُفتعل اسمه [الصحراء]، وهو موقفٌ كان سيدلي به [الهواري بومدين] قبل اغتياله، وبسبب ذلك، اختفتْ مذكّراتُه إلى الأبد.. ولكن [بوضياف] قالها صراحةً، فوقّع بذلك على شهادة وفاتِه، حيث أفرغَ في جسده عسكريٌ مِشْطَ رشّاشة، وهو يقوم بخطابه في قاعة محاضرات، وإلى حدّ السّاعة لم يُعْرف القاتل الذي قتَل الرئيس أمام الملإ، وفي واضحة النهار.. مات [بوضياف] بعد اعترافه بمغربية الصحراء؛ مات [بوضياف] صاحب كتاب: [إلى أين تتّجه الجزائر؟]؛ ونحن اليوم نعْرف إلى أين اتّجهَتِ الجزائرُ تحت حُكْم العسكر..