د. أحمد الدرداري
في البداية وبالنظر الى تاريخ العلاقات بين البلدين، والذي جمع بين التعاون والترقب يطرح سؤال لماذا لم تثمر العلاقات المغربية البريطانية الإصلاحية بالشكل الكافي؟
البداية التأسيسية للعلاقات بين المملكتين.
انطلقت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين واقعيا سنة 1213م حيث قامالملك جون لاكلاند بإرسال أول بعثة دبلوماسية للمغرب لإجراء اتصالات مع السلطان الموحديمحمد الناصر بمراكش ، فكانت بداية العلاقة بين البلدين، فتطورت ونمت وتقوت على مر 8 قرون العلاقات المغربية–البريطانية ، حيث ميزتها أحداث ووقائع مهمة تستشف من الوثائق والمخطوطات المتبادلة بين البلدين، ومن بينها التحالف الأنجلو مغربي ضد إسبانيا، والذي جمعبين العلاقات بالعائلات الملكية في كل من المملكة المتحدة والمملكة المغربية نظرا للتقاليد المتقاربة وسمعة ومكانة العرش في البلدين. ذلك الملك جونلاكلاند طلب العون من سلطان الموحدين محمد الناصر المساعدةالعسكرية لمواجهة التهديد الفرنسي بالغزو من ناحية ولمواجهة ثورة السادة الإقطاعيين من ناحية أخرى، لكن السلطان المغربي رفض الخوض في مشاكل اوربا، ولم تحقق البعثة أهدافها من وجهة النظر البريطانية.
بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي سنة 1551 م قاد قبطان بحري إنجليزي اسمه وايندهام رحلة إلى المغرب. ومنذ سنة 1588م، أي خلال عهد الملكة إليزابيت الأولى، توالى إرسال المبعوثين والسفراء إلى إنجلترا دون انقطاع منذ 1588م حيث عين الرايس أحمد بلقاسم كأول سفير مغربي من طرف السلطان أحمد المنصور الذهبي وحتى 2023 حيث عين السفير المغربي عبد السلام ابو درار 2016 جلالة الملك محمد السادس، ثم السفير حكيم حجوي الذي عينه جلالة الملك 6 يوليوز 2020 ليكون بذلك السفير رقم 47 لدى المملكة المتحدة العظمى وايرلندا الشمالية، بعدما زار الأمير هاري وزوجته المغرب بشكل رسمي 2019، مما يؤكد على الاستمرارية في العلاقات المغربية البريطانية على مدى حوالي 8 قرون .
فعلى عهد الملكة إليزابيث الأولى التي لقبت بالملكة العذراء في النصف الثاني من القرن السادس عشر تميزت الروابط بالإيجابية نظرا للعلاقات التجارية والسياسية بين البلدين.
الزيارة التي قام بها محمد عبد الواحد بن مسعود تابعت الإبحار من مدينة الأسد عام 1551، وإنشاء 1558 الشركة الإنجليزية البربرية، والتي كان الهدف منها تطوير التجارة بين انكلترا والمغرب. وانشاء تحالف بين إليزابيث الأولى وأحمد المنصورضد فيليب الثاني ملك إسبانيا والورثة الذين أتوا من بعده. فكانت العلاقة ذات طبيعة تجارية بالأساس خصوصا تجارة الأسلحة لكنها شهدت العديد من جوانب التعاون العسكرية المباشرة.
وقد قام الشريف الإدريسي، بوصف «إنجلترا» في خريطته الشهيرة. في عام 1208م، كما أرسل الملك جون بعثة يطلب العون من سلطان الموحدين محمد الناصر لمواجهة التهديد الفرنسي بالغزو من ناحية ولمواجهة ثورة السادة الإقطاعيين من ناحية أخرى، لم تحقق البعثة أهدافها من وجهة النظر البريطانية، حيث رفض السلطان الخوض في مشاكل أوروبا.
وتطورت العلاقات بعد إبحار الأسد إلى المغرب عام 1551. وحسب الكاتب ريتشارد هاكلويت، نقلاً عن إدموند هوجان، كان الحاكم أبو مروان عبد الملك السعدي يحمل مودة أكبر لبريطانيا أكثر من السلاطين الآخرين بسبب الدين الذي يحرم عبادة الاصنام في ابريطانيا.
بداية العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية.
وتميزت العلاقات بين البلدين منذ عام 1585، بإنشاء الشركة البربرية الإنجليزية، التي طورت التجارة بين إنجلترا والدول البربرية، وخاصة المغرب، حيث أقيمت علاقات دبلوماسية وتحالف بين إليزابيث والسلطان المغربي، وأرسلت الملكة إليزابيث وزيرها روبرتس إلى الإمبراطور المغربي أحمد المنصور للإقامة في المغرب والحصول على مزايا للتجار الإنجليز. وقد الحقت العلاقة التجارية مع المغرب ضررا بإسبانيا، حيث قامت ببيع الدروع والذخيرة والأخشاب والمعادن والملابس مقابل السكر المغربي، وملح البارود والجلود والحبوب والصوف والعسل والصمغوريش النعام وبعض المعادن كالحديد على الرغم من الحظر البابوي. مما دفع السفير البابوي في إسبانيا ليقول عن إليزابيث الأولى: “ليس هناك شر لم تبتكره تلك المرأة، … بحيث أنها نجحت ومدت الملوك (عبد الملك) بالسلاح، وخاصة بالمدفعية”.
في عام 1600، قام عبد الواحد بن مسعود ، السكرتير الرئيسي للسلطان المغربي مولاي أحمد المنصور ، بزيارة لإنجلترا كسفير في بلاط الملكة إليزابيث الأولى، حيث قضى عبد الواحد بن مسعود ستة أشهر في بلاط إليزابيث من أجل التفاوض حول تحالف ضد إسبانيا، أراد السلطان المغربي مساعدة الأسطول الإنجليزي لغزو إسبانيا، ورفضت إليزابيث، لكنها رحبت بالسفارة كعلامة على التأمين، وقبلت بدلاً من ذلك إبرام اتفاقيات تجارية. و واصلت الملكة إليزابيث والسلطان أحمد المنصور مناقشة الخطط المختلفة للعمليات العسكرية المشتركة، حيث طلبت إليزابيث دفع مبلغ 100 ألف جنيه مقدمًا للسلطان حاولت تزويده بأسطول، وطلب الأمير هاملت إرسال سفينة للحصول على المال. إلا أن الأمر لم يحسمبين البلدين ومات كلا الحاكمين في غضون عامين من السفارة.
وعلى عهد السلطان العلوي أبو النصر إسماعيل بن الشريف بن علي بين 1645 و1727 في مكناس (سجلماسة)، حيث كان المولى اسماعيل هو الابن السابع لمولاي علي الشريف وكان حاكم لـمملكة فاس وشمال المغرب من عام 1667 حتى 1672، وكان حكم المولى إسماعيل قد استمر 55 عامًا كأطول فترة حكم سلاطين في المغرب. وعرف بنجاحاته العسكرية من خلال إنشاء جيش قوي، حيث اعتمد في الأصل على “الجيش” وعلى جيش عبيد البخاري، حيث قام بطرد الأوروبيين من الموانئ التي احتلوها: العرائش، أصيلة، المهدية، طنجة، فقد أسر آلاف المسيحيين وكاد يستولي على سبتة.
بداية العلاقات السياسية
وقرر المولى إسماعيل بعد أن توحد المغرب إنهاء الوجود المسيحي في البلاد. وأطلق لأول مرة حملة لاستعادة مدينة طنجة التي كانت تحت الهيمنة الانجليزية من 1661 حتى 1684، حيث أُخليت وعادت لتصبح جزءاً من المغرب، لكن لم تدم طنجة الإنجليزية طويلاً بفعل الصراعات الاستعمارية عليها في شمال المغرب، حيث كان هدف إنجلترا هو السيطرة على منطقة جبل طارق جنوب إسبانيا ومنطقة طنجة شمال المغرب لتتمكن من السيطرة على منافذ البحر الأبيض المتوسط وأطلقت اسم طنجة الإنجليزية على المستعمرة التي لم تبق خاضعة للبريطانيين بفعل دخول الإسبان والفرنسيين والألمان في صراع على المنطقة. الى أن عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء لإنهاء المشكلة بوضع مدينة طنجة في حماية دولية.
كما عرفت ابريطانياعلى عهده أحداثا سياسية تتعلق بالثورة الانجليزية نفي على إثرها الملك شارلز الثانيالى قارة اوربا، حيث راسل هذا الأخير السلطان المولى اسماعيل، وطلب منه إرجاعه الى العرش، وكان جواب المولى اسماعيل بأنه لا يتوفر على أسطول بحري، ولو توفر لديه الأسطول لأرجعه الى لندن وأجلسه على العرش، وطلب منه في الرسالة الجوابية بأن يعتنق الاسلام أو على الأقل ان يكون كاتوليكيا وليس بروتستانتيا.
وعادت الاتصالات بعد ثلاثة قرون ونصف في عهد الملكة إليزابيث الأولى في النصف الثاني من القرن السادس عشر، و ذلك لتشكل بداية إيجابية للعلاقات التجارية والسياسية بين البلدين. وتم توقيع معاهدة عام 1728 تعلقت ببعض الامتيازات، لا سيما تلك المتعلقة بسلوك المواطنين الإنجليز. في الوقت الذي ظهر السلطان محمد بن عبد الرحمان، محاطًا بالحرس الأسود المكون من العبيد والحراطين قدر بحوالي 14000 جندي، وتم استقبال جون هايدروموندهاي والوفد البريطاني لطنجة في القصر السلطاني في فاس عام 1868. في القرن التاسع عشر، عمل إدوارد دروموندهاي وابنه جون دروموندهاي كقنصل عام بريطاني في طنجة لعقود من الزمان، وصاغوا سياسات البلاد وبقائهم على قيد الحياة خلال التدافع من أجل إفريقيا.
تم التوقيع على معاهدات الصداقة الأنجلو-مغربية ، في 9 ديسمبر 1856وقد ساعد ذلك في إطالة استقلال المغرب، ولكنه قلل من قدرته على الحفاظ على الاحتكارات التجارية الملكية داخل البلاد وقلل من قدرته على فرض رسوم جمركية على التجارة الخارجية.
موضوع الوحدة الترابية في العلاقات المغربية البريطانية
يبدو من خلال تقديم قراءة في تاريخ تطور القضية الوطنية ان الوحدة الترابية كان اكبر اشكال يؤرق الدولة تفكيرا وتدبيرا وانفاقا ووقاية وردعا لكل الاخطار ومواجهتها، وذلك ما يسمح بالقول ان قضية وحدة تراب المغرب كانت موضوع في برامج سياسة الدول وقد اتخذ حيزا ضمن اهتمام حكومات هذه الدول سواء بشكل علني او بشكل ضمني، رغم ان الديبلوماسية كانت وجها لتمويه التآمر عبر التاريخ، وان الديمقراطية صفقة كاذبة بين دول الشمال ودول الجنوب، في حين تبقى التنمية هي السبيل لقطع الطريق عن التدخل في شؤون البلاد، وانها أكبر مخلص من كل المشاكل.
هذا ولقضية وحدة المغرب الترابية خيوطا سياسية دولية تعود الى قرون مضت تقدر بحوالي 500 سنة تقريبا. الا ان الواقع اثبت ان النظام السياسي المغربي السلطاني للمغرب كان متواجدا وباسطا لسيادة الدولة على السكان والتراب، بالرغم من تربص المحتل او تواجده على جزء من التراب الوطني ولا سيما دول ابريطانيا والبرتغال و اسبانيا وفرنسا …