دخلت أحزاب المعارضة على خط ما أسموه الكارثة الإجتماعية في محاولات هجرة جماعية للشباب عبر ممر سبتة، بجر وزراء حكومة اخنوش و رئيس الحكومة الى المسائلة البرلمانية، حيث وجه فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب دعوة لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت لحضور اجتماع عاجل يتدارس خلفيات وحيثيات وقائع محاولات الهجرة الجماعية غير النظامية التي عرفتها مدينة الفنيدق في الأيام الماضية، والصور التي تم تداولها على أساس أنها تعود لشباب جرى توقيفهم، وقال الفريق النيابي في طلبه إن الرأي العام تابع محاولات للإقدام على هجرة جماعية مكثفة وغير نظامية نحو سبتة المحتلة، لمئات القاصرين والشباب، إما من خلال السباحة أو عبر محاولات اقتحام المعبر الحدودي، وذلك إثر منشورات ومحتويات رقمية محرضة على ذلك، وهو ما سعت السلطات المغربية نحو التعامل معه.
وتوقف الفريق عند ما راج على مواقع التواصل الاجتماعي من صور قد تكون لها علاقة بالموضوع، وتجهل لحد الآن حيثياتها وموثوقيتها، لكنها تلحق ضرراً بليغاً بسمعة البلاد وبمجهوداتها على أكثر من صعيد.
واعتبر فريق التقدم والاشتراكية أن من الضروري فتح نقاش الحكومة مع ممثلي الأمة، من أجل تبديد كل الالتباسات المحيطة بهذه الوقائع، وتفسير خلفيات وحيثيات هذه الأحداث وما يُرافقها من تضارب القراءات والتأويلات، وأضاف الفريق أن الاجتماع الذي طلب عقده مع وزير الداخلية، مناسبة من أجل تدارس المؤسستين التنفيذية والتشريعية، -بغض النظر عن احتمالات افتعال وقائع أو أحداث بعينها- للعوامل الكامنة وراء استجابة شباب وقاصرين لنداءات مشبوهة من أجل الهجرة الجماعية وغير المشروعة، ولا سيما من حيث السياسات العمومية المفترض أن تُوجه لإخراج ملايين الشباب من وضعيات اجتماعية مقلقة.
وأشار إلى أن الاجتماع فرصة أيضا من أجل تدارس كيفيات تعامل سلطات البلاد مع مثل هذه الأحداث، إن على المستوى الاستباقي أو على صعيد المعالجة البعدية، سياسيا وتواصليا وقانونيا وتنمويا وأمنيا.
من جهته وجه النائب البرلماني عن حزب الحركة الشعبية, محمد اوزين, سؤالا كتابيا للحكومة حول غياب صوت الحكومة عن نازلة الفنيدق والشروع الجماعي لألاف الشباب في الهجرة نحو سبتة المحتلة وتداعيات هذه الأزمة الخطيرة وغير المسبوقة.
وقال اوزين في سؤاله :”كما في علمكم وعلم الحكومة شهدت منطقة الفنيدق مؤخرا أحداث مؤسفة جراء نزوح ألاف الشباب، ضمنهم مئات القاصرين، بغية الهجرة الجماعية بشكل غير شرعي نحو مدينة سبتة المحتلة بعد حملة إعلامية ممنهجة ومعلنة عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، وهي العملية، الأولى من نوعها ، والتي تعاملت معها القوات العمومية بيقضة وحكمة مكنت من تطويق هذه الأزمة الخطيرة والتي لازالت تداعياتها ودوافعها تسائلنا جميعا كل من موقعه.
وتسائل اوزين بشكل مباشر صناعة السياسات العمومية الموجهة للشباب في مختلف أبعادها. خاصة على ضوء تقارير هيئات ومؤسسات الحكامة التي كشفت عن مؤشرات وأرقام دقت ناقوس الخطر حول الأوضاع المزرية التي تعيشها قاعدة واسعة من الشباب المغربي الذي تولدت له قناعة راسخة كونه خارج حسابات السياسات العمومية الموجهة له.”
وعلى إثر هذه النازلة الخطيرة التي أساءت لصورة وطن من حجم المغرب بنموذجه التنموي المتميز وبرهاناته الاستراتيجية التي أسست لها بلادنا بفظل الرؤية الحكيمة للملك محمد السادس يضيف اوزين, فوجئ المغاربة بغياب صوت الحكومة إزاء هذه الأحداث الخطيرة وغياب أي رد فعل من جانبها لا على مستوى التواصل ولا على مستوى المبادرة تاركة الرأي العام الوطني فريسة لأخبار ومشاهد يتداخل فيها الزيف بالحقيقة، والواقع بالفبركة، حتى وصلت الأمور حد ترويج فيديوهات وصور تسيئ إلى الجهود النبيلة لمختلف القوات العمومية والسلطات الترابية وتستهدف نسف تضحياتها البطولية لحماية سمعة الوطن وحماية الأجيال الناشئة من أبناءه. يحدث كل ذلك مع الأسف الشديد في ظل صمت مطبق لوسائل الاعلام العمومي وغياب غير مفهوم وغير مبرر لأي موقف ولا مبادرة رسمية.
وساءل النائب البرلماني, الحكومة حول الإجرءات الحكومية المستعجلة المتخدة للكشف عن حقيقة ما وقع ويقع بمحيط الفنيدق وعن تصور الحكومة لمعالجة أسباب ودافع عودة خيار الهجرة السرية بشكل كمي ونوعي غير مسبوق وحول البدائل الحكومية لتسطير سياسات عمومية جديدة لضمان الادماج الإيجابي والفعلي للشباب في مختلف مناحي الحياة العامة وفي صلب الدولة الاجتماعية وخيار النموذج التنموي الجديد.
من جهة اخرى حذر خبراء ومحللون، من تضليل الشباب المغرر بوعود زائفة لحياة أفضل ومستقبل وردي على الضفة الأخرى للمتوسط، من خلال دعوات جماعية للهجرة غير النظامية عبر الشبكات الاجتماعية.
وندد هؤلاء بالنداءات اللامسؤولة التي تدفع آلاف الشباب إلى المخاطرة بحياتهم من أجل فردوس وهمي، منوهين بالإجراءات والجهود المكثفة المبذولة من قبل السلطات المغربية، بشكل واع واحترافي، بغرض تجنب أن يجازف هؤلاء المرشحون للهجرة عبثا بحياتهم تحت وقع نداءات مضللة ومغرضة يتم تداولها على الشبكات الاجتماعية.
ورأى المحلل السياسي مصطفى طوسة أن المحتويات المنشورة على الشبكات الاجتماعية التي حرضت علنا على اقتحام الحاجز الأمني بين مدينتي الفنيدق وسبتة، يوم 15 شتنبر، “تبين إلى أي حد باتت الشبكات الاجتماعية تلعب اليوم دورا سلبيا، وتضخم هذه الظاهرة وترسم الأوهام التي تغوي الشباب والنفوس الضعيفة، وعبر تغذية آمال مزيفة بعبور الحدود”.
وقال طوسة، إنه “بمجرد الإعلان عن هذه المحاولات لعبور الحدود، لوحظ أن السلطات المغربية اتخذت تدابير أمنية فعالة حدت إلى حد كبير، من وقع هذا الهجوم ومن حجمه أيضا، ليصبح حدثا هامشيا، بعيدا عن مرامي مروجيه وصناع الفتن على الشبكات الاجتماعية الذين حاولوا استغلاله”، وأضاف أن هذه الحوادث تبرز، مجددا، التحديات الكبرى للهجرة السرية التي يواجهها المغرب، الذي يعمل على قدم وساق من أجل اجهاض هذه المحاولات ومحاصرة ظاهرة دولية لا تفتأ تتعاظم.
وذكر، في هذا السياق، بسياسة الهجرة المعتمدة من قبل المغرب والتي تحظى بتنويه رفيع على الصعيد الدولي نظير فعاليتها في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وفضلا عن الاختيارات الأمنية الحازمة لمكافحة هذه الآفة العالمية، يقول المحلل السياسي، فإن المملكة منخرطة على عدة جبهات من أجل ضمان حياة كريمة للمغاربة، مع إيلاء عناية خاصة لشبابها عبر أوراش واستراتيجيات ضخمة، على غرار دعم تشغيل الشباب، هذا الرأسمال البشري الثمين.
واعتبر أنه “لكي تؤدي سياسة ما إلى نتائج إيجابية وتؤتي ثمارا تكون في مستوى الانتظارات، فإن ذلك يحتاج إلى وقت “، مشيرا إلى أنه ” لا يوجد هناك بلد يملك عصا سحرية “.
من جانبه، ندد محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، بالدعوات الهدامة للهجرة غير النظامية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تروم ” المس بصورة المملكة “، مؤكدا أن الأفعال الضارة، والتي تنم عن سوء نية، تستهدف بالأساس الشباب الذي يعيش وضعية هشاشة، وقال إن “هذه المحاولات تروم عرقلة ووقف الدينامية المدعمة للتنمية التي تشهدها المملكة في مختلف المجالات”.
وأبرز بنحمو أن السلطات المغربية، التي وضعت تدابير أمنية فعالة من أجل إحباط هذه المحاولات مسبقا وتفادي أي انفلات للوضع، أبانت عن مهنية وضبط للنفس عاليين، وذلك على الرغم من أعمال العنف والتخريب التي ارتكبها المرشحون للهجرة غير النظامية.
وأبرز من جهة أخرى، سياسة الهجرة التي اعتمدها المغرب خلال السنوات الأخيرة، مشددا على أن المملكة تعد البلد الوحيد في إفريقيا الذي قام بتسوية أوضاع المهاجرين النظاميين، في انسجام تام مع التزاماتها الدولية.
وسجل رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، من جانب آخر، أن السياسات العمومية في مجال تشغيل الشباب تجسد إرادة المملكة، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في تثبيت أسس الدولة الاجتماعية لفائدة جميع شرائح المجتمع.
أما امحمد بلعربي، وهو أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض بمراكش، فقد اعتبر أن الدعوات التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم اقتحام للحاجز الأمني بين مدينتي الفنيدق وسبتة أخذت حجما غير مسبوق، وهو ما دفع السلطات المغربية إلى اتخاذ تدابير أمنية هامة لمواجهة هذه الوضعية التي لم يسبق لها مثيل.
وأوضح أنه في الوقت الذي يواصل فيه المغرب بذل جهود جبارة لمحاربة الهجرة غير النظامية، في إطار مقاربة متعددة الأبعاد، أصبح ضغط الهجرة يتزايد أكثر فأكثر بسبب عصابات تنشط في هذا النوع من التعبئة الجماعية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر بلعربي بأن المملكة منخرطة في عدد من الأوراش والبرامج الهادفة إلى ضمان الشغل للشباب وتوفير شروط العيش الكريم لهم، بعيدا عن هذه الأصوات الحاقدة التي تبحث إلى تخدير عقول هؤلاء الشباب بوعود وهمية لا مستقبل لها.
و شكل موضوع محاولة “الهجرة الجماعية” التي شهدتها الحدود مع مدينة سبتة المحتلة، موضوع نقاش محتدم بالبرلمان الإسباني، اليوم الأربعاء، حيث أشاد وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس بالتعاون المغربي مع السلطات الإسبانية الذي يحول دون نجاح آلاف الراغبين بالهجرة في الوصول إلى البلد الأوروبي.
وقال الوزير في رده على أسئلة في الموضوع إنه “بفضل التعاون مع المغرب يُمنع آلاف الأشخاص من دخول إسبانيا بشكل غير قانوني”، مشيدا بسياسة الهجرة التي تنهجها إسبانيا مع شراكها مثل المغرب، وذلك رغم الانتقادات المتواصلة لهذه السياسة والتي تؤدي إلى وفيات وإصابات واختفاءات بالجملة كل سنة، ورد ألباريس على الأصوات المعارضة داخل البرلمان، والتي تطالب بتشديد الإجراءات للحد من الهجرة، كالطرد الفوري، ووقف المساعدات المقدمة لمنظمات التعاون التنموي، بأن حدود إسبانيا ستكون أقل أمنا بكثير في حال تطبيق مثل هذه المقترحات.
وأضاف أن من شأن ذلك إدخال إسبانيا في صراع مع الجيران الرئيسيين، وشدد بشكل خاص على تعاون المغرب مع قوات الأمن الإسبانية “التي تحمي حدود سبتة ومليلية”.
وواجه الوزير الإسباني أسئلة من حزب “فوكس” من قبيل الثمن الذي ستقدمه إسبانيا للمغرب مقابل صد محاولات الهجرة، حيث اعتبر الحزب أن “المغرب يستخدم الهجرة كسلاح للضغط”، حيث يسمح للمهاجرين بالعبور عندما تكون العلاقات سيئة، وعندما تسير الأمور على ما يرام، يتم منع المهاجرين وتعنيفهم.
وركز ألباريس خلال رده على الأسئلة والانتقادات على التحذير من المبادرات التي يدعو لها حزب فوكس لمكافحة الهجرة غير النظامية، لأن تطبيقها سيغرق إسبانيا في صراعات مع الدول المجاورة، مشيدا بتعاون المغرب في هذا الشأن، وهو ما تجلى في الأحداث الأخيرة في سبتة.