زيارة بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، رفقة وفد هام من الحكومة الإسبانية للمغرب، في أول زيارة له بعد المنعطف الكبير الذي همّ العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط، يجب أن ينظر إليها من العديد من الزوايا.
فهذه الزيارة تأتي بعد الاعتراف الإسباني الرسمي في السابع من ابريل الأخير، بمغربية الصحراء والدعم اللا مشروط لمشروع الحكم الذاتي لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وطي صفحة الخلافات الثنائية. كما أنها تأتي في أعقاب الإيمان العميق لإسبانيا بأن العلاقات الثنائية بينها وبين المغرب يجب أن تكون نموذجا كما ظل يلح على ذلك المغرب، اعتبارا لعدة عوامل، أهمها القرب الجغرافي للبلدين والموقع الاستراتيجي والروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية الضاربة في العمق.
لقد تفتقت رؤية إسبانيا لتؤمن بأن الشراكة الحقيقية مع جار تاريخي، لا يجب أن تكون مبنية على مفهوم غالب ومغلوب أو بعقلية استعمارية، لان المغرب بقيادة جلالة الملك وحكمته الرشيدة ظل متشبثا بعمق العلاقات على أساس مفهوم رابح- رابح وليس رابح – خاسر، مهما كانت الظرفيات، والأكثر من ذلك، ظل التأكيد المغربي على علاقات الوضوح والالتزام الشفاف هو السائد، بمعنى نبد كل علاقة منقوصة بكل المفاهيم، ليس مع إسبانيا وحدها وإنما مع كل الدول الصديقة والشريكة، وهو ما كانت الإشارات الملكية السامية واضحة بصدده في العديد من الخطابات والمناسبات. فالمغرب كدولة مستقلة وذات سيادة متكاملة على أراضيه بما فيها الاقاليم الجنوبية، كان دائما داعيا إلى علاقات ثنائية متكاملة الوضوح في إطار علاقات جنوب- جنوب أكثر إيجابية وأكثر نفعية، لذلك، فإن إسبانيا مدعوة اليوم أكثر من أي وقت آخر، لتكون ليس شريكا واضحا مع المغرب وحسب، و إنما لتكون في علاقاتها الثنائية معه نموذجا للجارة فرنسا وباقي الدول في أوروبا والعالم أجمع من شرق الكرة الأرضية إلى غربها.
ليس من العبث أن يصف رئيس الوزراء الإسباني الزيارة والاجتماع الرسميين الأولين من نوعهما منذ عام 2015 بـالتاريخيين، لكونهما يجمعان وفدا هاما من الوزراء الإسبان مع نظراء لهم من المغاربة ولأن لقاءات واجتماعات قطاعية بين المسؤولين الحكوميين المغاربة ونظرائهم الإسبان ستتخللهما اتفاقيات اقتصادية واجتماعية وسياسية على درجة كبيرة من الأهمية سيتم عقدها بالمناسبة، لتثمين هذه العلاقات الثنائية المنبعثة على ظرفيات جديدة وفي أعقاب تداعيات جديدة و بمفاهيم اكثر وضوحا وشفافية من السابق، بل أكثر ربحا للطرفين، في إطار علاقات جنوب- جنوب.
من الواضح أن إسبانيا شريك اقتصادي لا مثيل له للمغرب في العقدين الأخيرين على الأقل، الشيء الذي يفسره ان إسبانيا زبون أول للمغرب وبشكل معكوس بالنسبة للمغرب في حجم المبدلات التجارية بين البلدين، وفي ذلك أسمى تجليات عمق العلاقات الثنائية التي أصبح اليوم من الواجب أن تتعدى هذا العمق الذي يؤكده توقيع حوالي عشرين اتفاقية وإعادة إصدار البروتوكول المالي لعام 2008، إلى ما هو ديبلوماسي وسياسي وثقافي بدرجة أكبر من الوضوح و الشفافية، درءا لكل أزمة عابرة في العلاقات الثنائية، خصوصا أن غسبانيا كانت جازمة حاسمة في قضية الصحراء المغربية بغعلانها الرسمي بمغربية الصحراء ودعمها و مساندتها لمشروع الحكم الذاتي فيها..