شهدت الدورة الثامنة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان، المنعقدة يوم الثلاثاء 25 فبراير 2025 بجنيف، عرضاً مفصلاً للممارسات الجيدة التي اعتمدها المغرب منذ عام 1993 بشأن عقوبة الإعدام، حيث استعرض ممثل وزارة العدل التحولات القانونية والمؤسساتية التي رافقت النقاش الوطني حول إمكانية إلغائها، بالإضافة إلى تفاعل المملكة الإيجابي مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي هذا السياق، أكد هشام الملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، خلال مشاركته في حلقة نقاش رفيعة المستوى، أن المغرب، شأنه شأن الدول التي تتمسك بسيادة القانون، شهد تحولات جوهرية في التعامل مع عقوبة الإعدام منذ وقف تنفيذها عام 1993، أي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وأشار الملاطي إلى أن المملكة عرفت نقاشاً هادئاً ومسؤولاً حول هذه القضية، تخللته سلسلة من المبادرات على المستويين التشريعي والقضائي، فضلاً عن تفعيل آلية العفو، في خطوة تعكس التزام المغرب بالمبادئ الحقوقية الدولية. وأوضح أن الملك محمد السادس كان قد أشاد بهذا النقاش في رسالة وجهها إلى المشاركين في المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان بمراكش عام 2014، داعياً إلى تعميق البحث والنقاش حول الموضوع.
وفي عرضه للإحصاءات المرتبطة بالعقوبة، كشف الملاطي أن عدد المحكومين بالإعدام في المغرب منذ عام 1993 بلغ 86 حالة، معظمها لم تصل إلى أحكام نهائية، مشيراً إلى أن نسبة المحكومين بالإعدام لا تتجاوز 0.1% من إجمالي عدد السجناء. وأضاف أن أغلب القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام تتعلق بجرائم بالغة الخطورة، حيث تمثل 80% من الحالات، بينما تتعلق 20% منها بقضايا الإرهاب والتطرف.
وأكد أن المغرب شهد تراجعاً ملحوظاً في إصدار أحكام الإعدام، حيث لم يتجاوز المعدل السنوي منذ 1993 ثماني إلى تسع قضايا، مع الإشارة إلى أن بعض محاكم الاستئناف لم تسجل أي حكم بالإعدام خلال هذه الفترة.
وأشار المسؤول المغربي إلى أن الإصلاحات التشريعية تضمنت تقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، حيث تم تخفيضها في قانون القضاء العسكري من 16 إلى 5 حالات. كما أن مشروع مراجعة القانون الجنائي المنتظر سيكون فرصة مناسبة لإعادة تقييم العقوبة، بما يتماشى مع التوجهات الحقوقية الحديثة.
وفي سياق متصل، أوضح الملاطي أن مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية أدخل آليات جديدة للحد من إصدار أحكام الإعدام، من بينها اشتراط إجماع القضاة عند النطق بهذه العقوبة، فضلاً عن إلزام القاضي المسؤول عن تنفيذ الأحكام بتقديم طلبات عفو تلقائية لصالح المحكوم عليهم بالإعدام.
وعلى المستوى الدولي، أكد المسؤول أن المغرب يحرص على تضمين بنود واضحة عند إبرام الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالمسائل الجنائية، تنص على استبدال عقوبة الإعدام بأشد عقوبة واردة في قانون الدولة المطلوب منها التسليم، إضافة إلى تقديم ضمانات بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام في إطار التعاون القضائي الدولي.
كما استعرض الملاطي التزام المغرب بالمعايير الحقوقية العالمية، حيث صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية دون تحفظات بشأن المادة 6 التي تنظم عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى تصويته في ديسمبر 2024 لصالح القرار العاشر للجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف تنفيذ العقوبة على مستوى العالم، في خطوة تعكس استمرار المملكة في نهجها الحقوقي.
وعقدت هذه الجلسة تحت شعار “مساهمة السلطة القضائية في تعزيز حقوق الإنسان ومسألة عقوبة الإعدام”، حيث شكلت فرصة لاستعراض أمثلة ملموسة من التجارب القضائية الدولية حول الحد من تنفيذ العقوبة، إضافة إلى مناقشة دور مجلس حقوق الإنسان في دعم الدول للوفاء بالتزاماتها الحقوقية في هذا المجال.