استدعى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة النقابات الأكثر تمثيلية، قصد الشروع في الحوار الاجتماعي. هذا النوع من الطاولات مفروض وأساسي من أجل سير طبيعي للقطاع. لكن؟ ما معنى الحوار الاجتماعي؟ وهل النقابات مجرد أدوات لتدبير مطالب ومشاكل الموارد البشرية؟ أم أن النقابات أكبر من ذلك؟
استدعاء النقابات بعد الدخول المدرسي يطرح سؤالا جوهريا: هل النقابات كما قلنا مجرد أداة وظيفية لتدبير مشاكل ومطالب الهيئة التدريسية، أم أنها شريك في عملية التمدرس من أولها إلى آخرها؟
الوزارة، وهنا ليست وزارة التربية الوطنية فقط، لا تهتم بالنقابة إلا بما أنها تجمع بشري غاضب، والنقابة هي الوسيلة لإسكات هذا الغضب وإطفاء فورته، ووسيلته الحوار الاجتماعي، لأنها لم تستشر النقابات قبيل الدخول المدرسي ولا هي أخذت رأيهم وبالدارجة البليغة “ما حاشاتوش ليهم”، ولكن بعد اتخذت القرارات التي تروقها ومر الدخول المدرسي كما تريده الوزارة بدون شركاء استدعت النقابات لعملية حوارية روتينية الغرض منها استباق الاحتجاجات والإضرابات.
لكن، كما يقال “ما لك لك وما لغيرك لغيرك” حتى لا نقول “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”، فما للوزارة للوزارة وما للنقابات للنقابات، فإذا كانت الوزارة تسعى من خلال تجربة الحوار الاجتماعي غير المضبوط على قواعد جيدة، وأنها تسعى من ورائه إلى مجرد ذر الرماد في العيون، كما يقال، فإن العتب ليس عليها ولكن على النقابات، التي تخلت عن دورها الطبيعي، وعن وظيفتها الأساسية، التي من بينها أن تدافع عن المصالح المادية لمنخرطيها وعموم الشغيلة.
كانت النقابات شريكا حقيقيا للوزارة في كل ما تقوم، بالحوار ومن غير حوار، من خلال الضغط، لكن ليس الضغط الذي يسعى فقط إحراج الوزارة كي تنزل لطاولة الحوار، الذي أصبح هدفا في حد ذاته، ولكن عن طريق الوجود اليومي في الساحة، حيث كانت النقابات قوة اقتراحية، لا تجد الوزارة بدا من الأخذ بعين الاعتبار بمقترحاتها.
كانت للنقابات رؤية في الوضع الاجتماعي للمنخرط وعموم الشغيلة، كما كانت لديها رؤية اجتماعية بسقف سياسي، ولها رؤية في القطاع وتطويره، تستفيد منه الوزارة كثيرا، ولهذا نجد أن مؤسسات الدولة استقطبت كثيرا من أطر المعارضة الراديكالية والإصلاحية في السنوات السابقة، لأنه كانت لدى الأحزاب والنقابات أطرا ورؤى، بينما هي اليوم بما أفق ولا فكر ولا تأطير ولا توجيه.
لو كانت فعلا الحكومة جادة في عملها لأوقعت النقابات في حرج شديد، ولجعلتها تندم على اليوم الذي تسمت فيه نقابات، ولدفعتها لتصبح نقابات حقيقية، وهي أن تستدعي النقابات، وتطلب منها مفهومها للقطاع. مثلا تستدعي وزارة التعليم النقابات وتطلب منها: مفهومها للمدرسة؟ والمعايير التي نحكم بها على نجاح المدرسة وفشلها. لا توجد نقابة في أي قطاع تتوفر على تصور لمفهوم القطاع وبالتالي فإن الوزارات تتعامل مع النقابات على أنها “خبزية” تهتم بمعيش منخرطيها وملفاتهم ولا يهمها الخط الذي يسير فيه القطاع.