دعا محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، القضاة ووكلاء الملك بكونهم السلطة التي ستبت في اختيار الإطار البديل للأسرة الطبيعية للأطفال الجانحين أو في وضعية صعبة أو ضحايا، الى استحضار مصلحة الحدث، ودراسة الجوانب النفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، من أجل اختيار الفضاء الأنسب لنمو الطفل نموا عاديا، مشددا على أن الخيار لا بذ أن يستحضر ما يمكن أن يختاره القاضي أو الوكيل لأبنائه لو قدر عليهم ما تعرض له الحدث أو القاصر المعروض على القضاء، وذلك باعتماد حلول بديلة صديقة للطفل وتحترم خصوصيته.
وأشار الوكيل العام للمك بمحكمة النقض، الى ضرورة ارساء آليات معترف بها دوليا فيما يعرف ب “العدالة التصالحية ” أو نظام التحويل خارج المسار القضائي، موضحا أن من بين البدائل التي يمكن طرحها للنقاش بالنسبة للأطفال في تماس مع القانون، ما جاءت به القاعدة رقم 18 من مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية النموذجية الدنيا لإدارة شؤون الأحداث للأمم المتحدة “قواعد بيكين”، التي نصت على مختلف التدابير التي يمكن للسلطة المختصة اللجوء إليها، من أجل تفادي اللجوء إلى الإيداع في المؤسسات الإصلاحية، حيث نصت على الأمر بالرعاية لدى إحدى الأسر الحاضنة أو البديلة.
وشدد عبد النباوي، في افتتاح أشغال اللقاء الوطني حول “بدائل الإيداع المؤسساتي للأطفال في تماس مع القانون” الذي تنظمه رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، في إطار برنامج التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف، صباح أمس بالرباط، على ” أن الإيداع بالمؤسسات السجنية هو آخر ملاذ يتم اللجوء إليه، لذا يقتضي الأمر كذلك مناقشة مختلف بدائل العقوبات السالبة للحرية كالتدابير الرقابية الخاصة بالأحداث الجانحين، في انتظار أن يوفر المشرع آليات أخرى كالعمل لفائدة المنفعة العامة”.
وأكد رئيس النيابة العامة، على أن فلسفة عدالة الأطفال تقتضي اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة أو في وضعية إهمال، باعتبارهم أطفالاً محتاجين للحماية، وهم جميعا على اختلاف أوضاعهم ضحايا عوامل وظروف شخصية وبيئية، اقتصادية واجتماعية، أثرت على حياتهم ودفعت بهم إلى التماس مع القانون، وينبغي لآليات العدالة أن تتقصى مصلحتهم الفضلى، ليتحقق بالفعل ما أصبح يصطلح عليه بالعدالة الصديقة للطفل. وهي نظام تتفاعل فيه نظم العدالة مع حاجيات الأطفال. كما أنه نظام يتوخى أنجع السبل لتكييف الإجراء القانوني مع الظروف الخاصة للطفل ومصلحته الفضلى. وهو ما يدعو أولا وأخيرا إلى إبقاء الطفل في كنف أسرته ووسطه الحمائي الطبيعي والابتعاد عن إيداعه في المؤسسات المغلقة سواء مؤسسات الحماية أو الإصلاح أو سلب الحرية.
أوضح عبد النباوي، أن كل انفصال عن البيئة الأسرية يعرض الطفل لأضرار متعددة ويهدد مستقبله وكيانه. غير أن الظروف قد تقتضي في بعض الأحوال إبعاد الطفل عن أسرته لأسباب قد تتعلق بالأسرة نفسها التي تصبح عاجزة عن تحقيق المصلحة الفضلى لأبنائها، أو تنعدم هذه الأسرة لسبب من الأسباب، فيقتضي الأمر البحث عن بديل لها، وهو ما يشكل نقطة تحول في حياة الطفل، قد يكون لها الأثر البالغ على حياته المستقبلية، بل على اكتمال تكوين شخصيته واتزانها فيما يستقبل من الأيام.
ودعا عبد النباوي، الى التفكير مليا في أبعاد الاشكالية القانونية والواقعية، والتوافق حول السبل المتاحة لتفعيلها في النظام القضائي المغربي، على ضوء احترام فلسفة الدستور القائمة على توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي، لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية “الفصل 32 من الدستور”، ومعالجة الأوضاع الهشة للفئات المحتاجة إلى حماية ومن بينها الأطفال “الفصل 34 من الدستور”، ومراعاة مصلحتهم الفضلى في ذلك.
وأوضح المسؤول القضائي، أن حماية الأطفال كما قررتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودستور المملكة وقوانينها المختلفة، تقوم على فكرة أساسية، هي “مراعاة المصلحة الفضلى للقاصر”، وهذه الفكرة ليست شعارا، ولكنها برنامج عمل كامل الأركان، يرمي إلى تحقيق هذه المصلحة بالنسبة للقاصرين في كل أوضاعهم، وأن الممارس لمهمةٍ من المهام المتعلقة بهم، سواء كان قاضيا أو موظفا عموميا، أو متطوعا أو مربيا أو مراقبا أو موجها للأطفال، بل حتى آباؤهم وكافلوهم وكل أفراد المجتمع، يجب عليهم أن يتساءلوا عما إذا كان الإجراء الذي يقررون اتخاذه لفائدة الحدث، يجسد مصلحته الفضلى ؟، ويجب طرح هذا السؤال في مجال التربية والتعليم والتكوين، وفي فضاءات الألعاب والترفيه والتثقيف، وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي، وحتى حينما يتعلق الأمر بزواج القاصر، الذي لم يجعله المشرع متاحاً بنفس الشروط التي يتم بها بالنسبة للرشداء، وإنما أخضعه لتقدير القضاء بعد إجراء خبرات طبية أو أبحاث اجتماعية، يراد منها التأكد من قدرة القاصر على تحمل عبء الزواج، وكذلك من كون الزواج يجسد المصلحة الأسمى له، وأن النيابة العامة باشتغالها على هذا الملف، فإنها تحرص على تنفيذ سياسة المشرع المغربي، ولا تنفذ اختياراتها الخاصة. ولذلك سيظل عملها مؤطراً بالنص القانوني والاجتهاد القضائي له.