إن اهتمام جلالة الملك بالمغاربة المقيمين في الخارج وبقضاياهم ظهر منذ أول خطاب للعرش في 30 يوليوز 1999، “ومن الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج، والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم ….. “
وقد جاءت بعدها محطات أخرى أعطى بموجبها جلالته تعليماته السامية من أجل الاهتمام بقضاياهم والدفاع عن مصالحهم وتمكينهم من التشبث بهويتهم ومن المشاركة الفعلية في مسلسل التنمية عبر تيسير استثماراتهم والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم.
ونستحضر في هذا الصدد خطاب جلالته بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب الذي يؤسس لمرحلة جديدة في تدبير قضايا مغاربة العالم وبداية علاقة مهيكلة ومستدامة ومندمجة تقطع مع السياسات السابقة والتي اتسمت بضعف التنسيق والارتجالية وعلى الخصوص القطع مع الجمود والركود الذي وسم الثلاث سنوات الأخيرة.
وسنبرز في هذا المقال أوجه القصور في عمل الوزارة الوصية من خلال مجالات العمل التي حددها جلالة الملك في خطابه الأخير.
ضرورة توطيد ارتباط الجالية بالوطن
في هذا الإطار دأب قطاع مغاربة العالم خلال مراحل سابقة على إنجاز عدد من البرامج ذات طابع ثقافي تهدف إلى زرع قيم حب الوطن وتعزيز الروابط الثقافية والهوية المغربية.غير أنه، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، عرفت هذه البرامج ركودا إن لم نقل تجميدا، في حين أن تطلعات وانتظارات المغاربة المقيمين بالخارج تبقى كبيرة (وخاصة الجيلين الثالث والرابع)،
لا سيما أن الفصل 16 من الدستور يحض على الحفاظ على الوشائج الإنسانية مع مغاربة العالم، ولاسيما الثقافية منها، والعمل على تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية.
بالإضافة لذلك، تم تجميد برامج الدعم المدرسي لأطفال مغاربة العالم لأسباب مجهولة رغم أهميته في تعزيز الهوية الثقافية والدينية.
كما يلاحظ غياب كلي لبرامج خاصة بالمغاربة اليهود، رغم انخراطهم الفعلي في قضايا الوطن ودفاعهم عن الوحدة الترابية لبلادنا في بلدان المهجر، كما أن الدستور ينص صراحة على المكون العبري كرافد أساسي للهوية الوطنية.
ملاءمة الإطار التشريعي المعمول به والسياسات العمومية ومراعاة خصوصيات مغاربة العالمية
رغم التعليمات السامية التي تحض على تأهيل النصوص التشريعية والمساطر الإدارية لفائدة مغاربة العالم فلم يتم اتخاذ أي إجراء أو مبادرات على المستوى التشريعي من قبل الوزارة الوصية (لم يتم اقتراح مشاريع قوانين أو تعديلات على نصوص قانونية تخص مغاربة العالم). إذ اقتصر دور الوزارة الوصية على نهج سياسة التجاهل واللامبالاة بمعاناة مغاربة العالم مع نصوص قانونية لا تأخذ خصوصياتهم بعين الاعتبار.
وفي سياق آخر، نظرا للطبيعة العرضانية لتدبير شؤون مغاربة العالم فهذا يستوجب طرح قضاياهم على القطاعات المعنية من أجل حلحلتها. إلا أنه رغم وجود رصيد اتفاقي هام فلم تبادر الوزارة الوصية لعقد أي اجتماع للجان المشتركة مع القطاعات الوزارية خلال الثلاث سنوات الماضية (المنصوص عليها في إطار اتفاقيات الشراكة القطاعية). مما أدى لتلاشي الاهتمام بمشاكل وتطلعات مغاربة العالم وعدم إدراجهم في الاستراتيجيات والسياسات القطاعية.
أما فيما يخص الخدمات الإدارية المقدمة لمغاربة العالم، فإنه رغم مرور سبع سنوات على الخطاب السامي بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد والذي وقف على ضعف مستوى الخدمات بالقنصليات، فالملاحظ هو أن تطوير الخدمات لازال محدودا، إذ اقتصر على بعض الإجراءات الشكلية والتجميلية كإعادة تأهيل بعض المقرات القنصلية ورقمنة المواعيد ، لا ترقى لانتظارات مغاربة العالم الذين يعانون أكثر من التعقيدات الإدارية وانعدام النجاعة والمرونة في المساطر والتماطل الذي يطبع هذه الخدمات.
بالإضافة إلى ذلك هناك ضعف شديد في ثقافة الاستقبال والتوجيه والاستماع والتجاوب مع انشغالات المغاربة المقيمين بالخارج على مستوى القنصليات.
مستوى مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في عملية التنمية (تعبئة الكفاءات والاستثمارات)
على العموم اتسمت سياسة تعبئة كفاءات مغاربة العالم بالضعف وغياب رؤية استراتيجية. إذ قام القطاع بأنشطة ذات طبيعة ظرفية وموسمية في هذا المجال، دون أن تستفيد بلادنا من الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج لمواكبة المشاريع الكبرى التي عرفتها بلادنا.
في هذا الصدد، اقتصر دور القطاع في مواكبة خلق شبكات الكفاءات الموضوعاتية أو الجغرافية، دون أن يكون لهذه الأنشطة أي مردودية. بالإضافة إلى ذلك يسجل غياب جرد وتحديد ووضع دليل يضم الكفاءات من مغاربة العالم.
بالإضافة لكل ما سبق، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عرفت الشراكة مع جمعيات مغاربة العالم انحسارا وانقطاعا غير مسبوق علما أن هذه الأخيرة تعتبر الإطار الأمثل لتأطير مغاربة العالم.
فيما يخص الاستثمار، فيلاحظ استمرار الصعوبات والتعقيدات الإدارية في وجه المستثمرين من مغاربة العالم. كما تتسم السياسة العمومية في هذا الشأن بضعف المواكبة من طرف الأطراف المعنية. بالإضافة إلى ذلك لا توجد استراتيجية تواصلية مع مغاربة العالم في هذا المجال لا من طرف الوزارة ولا من طرف المؤسسات العمومية المعنية. بل أن السنوات الأخيرة تميزت بعدم اكتراث الوزارة بمشاكل ومصالح المستثمرين من مغاربة العالم وغياب أي مقترحات في هذا الشأن.
أما فيما يخص صندوق دعم الاستثمار لفائدة مغاربة العالم، فهذا الأخير لا أثر إيجابي له نظرا لتعقيدات المساطر والشروط المطلوبة.
التحديث والتأهيل المؤسساتي ونموذج الحكامة
لعل من أهم مسببات الأعطاب التي تعتري السياسة العمومية المقدمة لمغاربة العالم هو عدم وجود وزارة مستقلة أو مؤسسة ذات طابع تنفيذي تضطلع بتدبير شؤون مغاربة العالم، رغم وجود قطاع كان يقوم بهذا الدور قبل ثلاث سنوات.
لكن الملاحظ هو أن القطاع المعني تم تقزيمه بطريقة فجة من طرف الوزارة الوصية، وتم تقليص كامل صلاحياته وإخضاعه لوصاية عقيمة تعيق عمله.
لذا وجب تصحيح هذا الوضع في أقرب الآجال حتى يتسنى تنفيذ مضامين الخطاب السامي وذلك بدرء محاولات تفكيك القطاع وإعادة الاعتبار لهياكله وموارده البشرية.
أما فيما يخص حكامة تدبير شؤون مغاربة العالم، فالوضع الحالي يتسم بغياب استراتيجية شاملة، وبتداخل المسؤوليات والبرامج وغياب التكامل بينها.
وفي الختام، لقد أنصف الخطاب الملكي مغاربة العالم ورفع السقف عاليا فيما يتعلق بانتظاراتهم، ووضع الكرة في ملعب الحكومة التي يجب أن تكون في مستوى ثقة جلالة الملك وتبدأ مرحلة جديدة في تدبير شؤون مغاربة العالم عنوانها العمل الدؤوب والكفاءة والمسؤولية والالتزام، والقطع مع منطق المحسوبية والزبونية في تعيين من سيشرفون على هذا القطاع الحيوي بامتياز. وإذ نؤكد بقوة على أن القطاع يجب أن لا يكون مرتعا لمن لا يناضل ومن لا يعمل من أجل مغاربة العالم ولا أن يكون مجالا لترضية الخواطر.