أكد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن المجهودات المبذولة من طرف المصالح الأمنية بتنسيق مع السلطات المحلية، لمكافحة ظاهرة التسول خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير إلى 31 ماي 2023 أسفرت عن تسجيل 14324 قضية متعلقة بظاهرة التسول تم بموجبها إيقاف 15908 شخصا.
وأشار لفتيت جوابا على سؤال لعضو بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أنه “إلى جانب المقاربة الزجرية في التعاطي مع هذه الظاهرة، فإن كثيرا من الحالات، خاصة تلك المتعلقة بالأطفال تتم معالجتها وفق مقاربة اجتماعية بتنسيق مع النيابة العامة والقطاعات الحكومية المحلية والمصالح المكلفة بالرعاية الاجتماعية.
وأكد وزير الداخلية أن مصالح الوزارة تولي أهمية قصوى لمحاربة ظاهرة التسول نظرا لانعكاساتها السلبية على الإحساس بالأمن لدى المواطنين الذين يتأذون من أنشطة التسول ومن السلوكيات العدوانية لبعض المتسولين، فضلا عن استغلال الأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة في هذا النشاط وتشوية المنظر الجمالي للشارع العام بمختلف مدن المملكة.
ولفت المسؤول الحكومي أن المصالح الأمنية اتخذت مجموعة من الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة من قبيل: تكثيف العمليات الأمنية في الأماكن التي تعرف انتشار وتفاقم هذه الظواهر المخلة بالأمن والنظام العامين، خاصة في المحطات الطرقية والسككية وفي محيط المساجد والمقاهي والمحلات العمومية والأضرحة والزوايا، وكذا تركيز هذه التدخلات في المواسم والمناسبات الدينية، خاصة في شهر رمضان المبارك وفي الأعياد الدينية.
كما تقوم وزارة الداخلية بتسخير كل الوسائل المادية والبشرية وتوفير التغطية الميدانية بالكاميرات لمحاربة هذه الظاهرة، وكذا تحسيس العناصر الأمنية بالطابع المتشعب لهذه الظاهرة التي يتقاطع فيها الجانب الإصلاحي المتعلق بالأحداث والأطفال الموجودين في وضعية صعبة، وكذا الجانب الزجري الخاص باستخدام الأطفال في التسول وفي أفعال منحرفة أخرى، بحسب وزير الداخلية.
ورغم حديث وزير الداخلية عن المجهودات التي تقوم بها المصالح الأمنية لمحاصرة ظاهرة التسول، إلا أن هذه الظاهرة تتفاقم يوما بعد يوم، خاصة في المدن الكبرى كالرباط، حيث يتجمع المتسولون يوميا على بعد أمتار من قبة البرلمان.
ويجرم القانون المغربي التسول، حيث ينص الفصل 326 من القانون الجنائي كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بالإمكان الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، لكنه اعتاد التسول بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر، في حين ترفع هذه العقوبة إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة في حق كل متسول استعمل وسائل التهديد أو التظاهر بالمرض أو تعود على استصحاب طفل من غير فروعه أو التسول جماعة، بحسب الفصل 327 من القانون الجنائي.
واك باحثون أن ظاهرة التسول أصبحت تشكل عنوانا لأبرز المشكلات الاجتماعية التي غزت العالم، و نسبة من يمتهنوها تتباين من مكان إلى أخر نتيجة عوامل ومتغيرات عدة منها: ثقافية، اجتماعية و اقتصادية.
الظاهرة، ليست حدثا استثنائيا منفصلا عن حركة التاريخ وتطور المجتمعات البشرية فيه، كما أنها ليست ظاهرة تعيش بمعزل عن العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة التي أدت إلى تشكّل هذا المشهد في المقام الأول.
لعبت الثقافة الشعبية دوراً رئيسياً في تعزيز الظاهرة وعزلها عن كافة العوامل المؤثرة بالشكل الذي يضمن تشتيت وعي الفرد وتفتيت التناقض ليتحول بذلك إلى جزئيات اجتماعية منفصلة بنيوياً عن بعضها، ثم تحجيم أية حركة اجتماعية شمولية تستند إلى وعي ثوري يدرس الواقع و سيرورته من منظور الفهم المادي للتاريخ والعلاقات الاجتماعية فيه.
فهل يا ترى تعتبر هذه الظاهرة طفرة اجتماعية؟ أم نتيجة – مباشرة أو غير مباشرة – لسياسات الإفقار التي تمارسها الطبقات البورجوازية؟
بخصوص الثقافة الشعبية فإنها تميل إلى الاعتقاد بأن التسول طفرة ظهرت منذ الأزمنة الغابرة في المجتمعات البشرية و بقيت متلازمة و إياها إلى يومنا هذا بمعزل تام عن سياقها التاريخي الاجتماعي، و بهذا يؤدي هذا المنطق إلى تقسيم المجتمع إلى قسمين، قسم يرى أنه طالما هناك أغنياء بالضرورة هناك فقراء، و هناك قسم آخر يرى بأن ظاهرة التسول هي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمع.
على العموم لن نخوض في هذه التقسيمات و التصنيفات، بل نترك الأمر إلى المختصين في العلوم الاجتماعية و باقي العلوم التي لها صلة.
من الناحية الاقتصادية، يعد التسول حاليا إحدى الصناعات العالمية التي تمارس بكثافة من خلال الاقتصاديات غير الرسمية، خصوصا في المدن، حيث يوجد سوق عمل غير رسمي تمارس فيه أشكال عديدة من المهن المستترة، و المتسولون غالبا ما يتم تأطيرهم ضمن مجموعات مستقرة في هذه السوق، فتمارس هذه الوظيفة طوال عمرها.
تمارس هذه الفئة فنون التسول من خلال مواهب خاصة تمكنها من التأثير على الآخرين لحثهم على العطاء بما تمتلكه من مهارات في اختيار الزمكان و نوعية المستهدفين من المواطنين. على سبيل المثال قد يؤدي اختيار مكان ديني إلى حصيلة أكثر لأن الناس تكون أكثر استعدادا للعطاء عندما يكونون في موقف ديني ما، أو اللجوء إلى الأماكن المزدحمة، حيث تزداد احتمالات توافر أناس مستعدين للعطاء بصورة أكبر كلما زاد عدد الناس في المكان.
هذه “الفنون التسولية” تحيلنا للتطرق إلى التساؤل عن موقف القانون تجاهها، هل كل هذه التصرفات يسمح بها أم يجيز بعضا منها و البعض الآخر يجرمه، هل هنالك أشخاص يمكن توقيع العقوبة عليهم، أم هناك أشخاص يمكن إعفاؤهم؟ هناك مجموعة من التساؤلات سوف نتمكن و لو بإيجاز الإجابة عنها.
إن التسول كباقي الظواهر، قد أولاها القانون الوضعي بعض الاهتمام، و هذه الإشارة تبدو واضحة في الفصول من الفصل 326 إلى 333 من القانون الجنائي المغربي.
في الفصل 327 حدد القانون الجنائي المغربي أهم طرق التسول المعاقب عليها، بعدما حدد عقوبتها في الفصل 326 و التي تتراوح ما بين “شهر واحد و ستة أشهر كل شخص كانت لديه وسائل للتعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة”، كما قنن القانون المغربي شرعية العقوبة بتوفر عنصر الإعتياد في أي مكان كان.