بزّولتي ناشفة ما لقيت ما نرضع ولدي”، استغاثة أم ترميها في وجه كل مسافر من محطة الميناء البيضاء، رمقتها هذا الصباح، شابة في مقتبل العمر، تحمل رضيعها بين يديها وتستجدي القلوب لعل بعضها يرمي ببعض الدريهمات في “حزّتها”.
أم لم تدر ثدياها حليبا بسبب الجوع وعدم تناولها للطعام الكافي حتى تتمكن من إرضاع صغيرها وتسكته بعدما تنهي معاناته مع أمعائه التي أكيد تتضور جوعا.
هذه الأم أدمت قلبي، حكايتها مختصرة لا تتعدى بضع كلمات لكنها مؤثرة، أحدثت اضطرابا في مشاعري، لم تغادر ملامحها البدوية تفكيري، هذه الأم ليست من ساكنة المغرب غير النافع، الموجود هناك وراء الجبال، حيث يخرج كل مرة مئات المغاربة في مسيرات الجوع والعطش، بل هي من ساكنة المدينة “الفترينة” مدينة المال والأعمال.
تبينت تفاصيل حكايتها من خلال دردشة خاطفة، حيث عرفت أنها تسكن في ليساسفة، توقف زوجها عن العمل بعدما كان يشتغل “كارسون” في مقهى، يعيل أسرته المتكونة من زوجة وطفلين، يسكنون في “بيت” مع الجيران، انقطع رزقه منذ “جايحة كورونا” ومنذ ذلك الحين وهو “كايتلاوط” في بحث مستمر عما يسد به رمق صغاره وزوجته التي لم تجد من منفذ غير “السعاية” وبسط معاناتها أما المسافرين، لعل قلب أحد فيهم “يحن ويجود”.
أخبرتني السيدة أن زوجها العاطل عن العمل يقضي يومه كله في”الزنقة” هربا من نظرات صغاره الجوعى ولا يعود إلا والليل قد أرخى بظلامه، حيث تعود بدورها ليلا وفي قفتها بعض مما جاد به “ولاد الجواد”.
هذا نموذج استغاثة امرأة دفعتها أمومتها لمد اليد وبيع “ماء الوجه” ومنها الكثيرات والكثيرون، “اللي هازين الدقة وساكتين” وفي مدن كبيرة كالبيضاء التي يقال عن ضيفها “أنه مستحيل يبات بلا عشا”، يمكن أن يكون الأمر ذا مصداقية بعض الشيء قبلا، لكن مع غلاء المعيشة “كل واحد مديها في حريرتو مع الزمان” ونبقى أمام حقيقة واحدة أن هناك 12 مليون مغربي عايشين على باب الله.
قد ينتفض أحدهم، ويقول إن الحكومة خصصت لهذه الفئة دعما شهريا، ستستفيد منه في الأيام المقبلة، لا أحد ينكر الأمر، لكن هذا الدعم هل هو كاف؟ هل سيحقق عيشا كريما لفئة يزيد أعدادها يوما بعد آخر، خاصة والغلاء المتوحش الذي لا تصمد أمامه الورقة النقدية الزرقاء “اللي مابقات تعمر قفة”.
لا نرمي من حديثنا تبخيس العمل الحكومي وبرنامجه الاجتماعي الموجه لفقراء هذا الوطن، لكن لدينا طمع، ومن حقنا، في اعتماد المزيد من البرامج الاجتماعية التي تخصص لهذه الفئة بالذات، والغاية، نمسح دمعة بعض أبناء وطننا، والأمر ليس بعسير، الحمد لله لدينا ثلاثون حزبا سياسيا ، يملؤون الساحة وبمقدورهم أن يحسوا بأمثال تلك السيدة ومثيلاتها، ممن فضلوا المعاناة في صمت على الجهر بها أو “بيع ماء الوجه” أمام “اللي يسوى واللي مايسواش”.
قد نقول في أحايين كثيرة لا حاجة لنا بالأحزاب، فعلا إذا بقينا نرى نسخا مكرورة من هذه السيدة “فبلاش منها”، إذ نحن في حاجة، اليوم وغدا وبعده، إلى أحزاب قوية ببرامج تدافع عن مصلحة المواطن، وبحاجة أيضا إلى نقابات تضع قياداتها المواطن البسيط في “بؤبؤ عينيها” خاصة البسطاء الاثني عشر مليونا “اللي عايشين النهار بنهارو” حيث الأجر غير ثابت و”عايشين على باب الله”.