في وقت دعت فيه النقابات إلى إضراب عام اليوم الأربعاء، ذهبت الحكومة بعيدا في تحديها وتم تمرير القانون التنظيمي للإضراب في جلسة عمومية بمجلس المستشارين، إذ كان متوقعا التريث قبل التصويت عليه، خصوصا وأن الأوضاع العامة ليست مؤهلة أصلا لهذا التصويت، بل إن نقاش الموضوع لم يكن عقلانيا ولكنه نوع من التحدي.
وصدق من قال إن المغرب استقل منذ حوالي سبعة عقود، ولم يتمكن خلالها من إخراج قانون تنظيمي للإضراب بالنظر لحساسيته لكن حكومة عزيز أخنوش تمكنت بجرأة نادرة من إخراجه في مدة ثلاثة أشهر، بما يعني أنها غير معنية بالمقاربة التشاركية، التي يلزم تبنيها في كل المجالات وليس فقط في هذا القانون.
القانون التنظيمي للإضراب مهم للغاية، وليس نافلة من القوانين بل فرض وواجب ينبغي إخراجه على أية حال، لكن ليس بهذه الطريقة، فالمغرب الذي تأخر سبعة عقود في إخراج هذا القانون ألم يكن قادرا على الصبر سنة زيادة ليتم الجلوس مع الجميع وبحث كل الخلفيات.
هذا القانون ضروري ولازم كي يتم تنظيم العلاقات بين أرباب العمل والعمال، ويتم معرفة القوانين الملزمة للعمل النقابي، وذلك من أجل ضمان انسيابية في الاستثمارات، لكن الطريقة التي خرج بها تمثل المثل المغربي القائل “من الخيمة خرج مايل”.
فضرورة إخراج القانون لا تعني إخراجه “عنوة” وفي غياب المعنيين بالأمر، فلابد من حوار مفتوح بين الحكومة والباطرونا والنقابات، وتعتقد الحكومة الحالية، التي تمثل “تجمع المصالح الكبرى”، أنها بإرضاء الباطرونا تكون قد ضمنت فعالية وانسيابية للاستثمارات وهذه مغالطة، لأن التوافق بين أطراف العملية الإنتاجية ضروري لضمان الاستقرار الاجتماعي، وإلا فإن الحكومة تخلف أسباب ومسببات التوتر، التي هي الطاردة لكل استثمار يبحث عن الأمن والأمان والاستقرار.
تصرفات الحكومة والتحدي الذي تمارسه في وجه الجميع، قد يخلق توترات كبيرة، لا يمكن أن يسمح بها أحد، لأنها تسعى لخلق أزمة حقيقية، وينبغي التصدي لها من قبل الجميع، حتى لا تتكرر مأساة “شهداء كوميرة”، فالمغرب ليس في حاجة ليخسر نقطا كبيرة حققها نتيجة الدبلوماسية الراقية لجلالة الملك محمد السادس، التي رسمت صورة فضلى لبلادنا.
الحكومة التي ترفض الحوار هي حكومة تبحث عن الفوضى والاضطرابات، فليست النقابات على حق مطلق وليست الحكومة على حق مطلق وليست الباطرونا على حق مطلق، ولكن الحقيقة موجودة في مكان ما يمكن استخراجها من طاولة الحوار، التي وحدها قادرة على امتصاص الغضب، فأحيانا كثيرة يتم خلق التوتر نتيجة سوء فهم كبير من مكونات العملية الإنتاجية، ولو تم فتح الحوار لاستطاعت الحكومة إخراج قانون مقبول يجسد الحد الأدنى من التفاهمات، أما والقانون خرج بدون تفاهمات واعتمادا على الأغلبية العددية فإن الحكومة تتجه نحو “الحائط”.