عندما نزل حظ وزارة الشؤون الخارجية أصبح الوزير يخلط بين لوكه ولوك الوزارة. نسي سعادته أن الوزارة باقية لأنها مؤسسة من مؤسسات الدولة بينما الأشخاص راحلون، وقد ذهب من هم أشد صلابة وأمر عودا على الأعداء والخصوم وتركوا بصمات واضحة، والوزارات مؤسسات، ومن غير المنطقي كل هذا المديح في الوزير، فلماذا لا نسمع مثله في حق وزير الداخلية مثلا. فهي الوزارة التي أدارت الحملة الانتخابية، وهي التي أشرفت عليها، وتحت سلطتها تقع العديد من المؤسسات من بينها المؤسسات الأمنية التي تحقق المنجزات المتتالية، ومع ذلك نحن نعتبر أنها تقوم بوظيفتها.
فلماذا اختار ناصر بوريطة منطق “الذباب الالكتروني” لتسويق صورته وكأن صورته هي المهمة وليست صورة الوزارة؟ ليس الوزير من يهتم بلوكه لأن هذه مهمة الفنانين والمغنين والصغار منهم أساسا، ولكن الوزير يهتم بتدبير وزارته على أحسن وجه.
من يكثر الكلام يخونه لسانه فذات مرة قال “واش يحساب ليكم ترامب غير جا واعترف بمغربية الصحراء” محاولا أن يوحي أن جهوده “المضنية” هي التي تقف وراء ذلك، ونحن نعرف أن وزير الخارجية موظف في مجال الديبلوماسية برتبة وزير، لكن صناعة القرار أكبر من الوزير وما يحيط بالوزير، ونعرف مثلا أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء ليس من ثمرات وجهود الوزير، ولكن ثمرة جهود كبيرة جدا.
هذا الاعتراف هو ثمرة جهود ملكية واضحة، وثمرة صداقات وعلاقات قوية أكبر من الوزير، وهي ثمرة وجود لوبي من اليهود المغاربة بكل من أمريكا وإسرائيل، يدعم قضايا المغرب، وهو ثمرة التموقع الاستراتيجي للمغرب، وهل يظن الوزير أنه قادر على موضوع من هذا النوع؟
يعرف الوزير، أو ربما لا يعرف، أن وزير الخارجية هو آخر موظف في سلم مؤسسات الدولة في اتخاذ القرار السيادي الديبلوماسي، وأن هناك تداخلات كثيرة، يجتمع فيها الجيوسياسي والسيادي والاقتصادي والاستخباراتي، وهي سياقات لا يعرف عنها الوزير شيئا، ولكن يحمل “الخبز إلى الفران” عندما يُطلب منه ذلك، ومهمته في هذا المستوى لا أقل ولا أكثر، وجرّب المغرب الوزير السياسي فتبين أنه لا يصلح لذلك، ولهذا رغم أن الحكومة سياسية تم الاحتفاظ بوزارة الخارجية ضمن المجال السيادي.
العمل الديبلوماسي حلقة معقدة ومعادلة مركبة يتداخل فيها التاريخي بالتراكمي بالسياسي بالاقتصادي بالأمني، في سلسلة غير متناهية، وأحيانا يتم قطف ثمار جهود قام بها آخرون منذ عقدين أو ثلاثة.
أردنا أن نقول للوزير لا تفرح بما أنت فيه، فلست أنت من حقق ذلك، وليست لك ميزة أكثر من المناوشات مع الخصوم وهذه وظيفة يمكن أن يقوم به آخر موظف بالوزارة، بينما ننتظر أن يفتخر الوزير بفتوحاته الشخصية، بعيدا عن النتائج والثمار التي هي خلاصة التدبير الملكي وفتوحاته، ولن ينفع الوزير، الذباب الالكتروني، الذي يجهل الجميع مصدر تمويله لحد الآن.