كان احتياط المشرع وهو يصيغ الوثيقة الدستورية في محله. أخذ صلاحيات من المؤسسة الملكية ومنحها إلى البرلمان أي إلى الحكومة، لكن لم تصل إلى حد الاستجابة التامة لمطالب الرادكاليين، التي كانت تسعى إلى إقامة ملكية برلمانية في المغرب، بمعنى يصبح للحكومة كامل الصلاحيات، تتحكم في كل المؤسسات بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية وهي وحدها التي تدير شؤون البلاد. السؤال اليوم: ماذا لو استجاب المشرع لمطالب الراديكاليين وتحققت على أرض الواقع؟
التجربة أعطتنا أسماء وصفات وصلت عن طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع لكن في جوهرها “دكتاتورية”، فكمياؤها الداخلي لا يمسه التغيير فكل التحولات التي تظهر عليها لا تتعدى الشكل، ولكن بين آخر “فاتح” في هذا المجال أن التجربة الديمقراطية يمكن أن تعطيك وزيرا منتفخا مثل “وزير التقاشر”، بنزوعات هتليرية، ولسنا نبالغ في هذا الوصف إلا في الخلاف حول الشجاعة لأن الفوهرر كان بطلا قبل أي شيء، لكن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تعرف لون “التقاشر” هي الدولة النازية.
لو تحقق مطلب الملكية البرلمانية، فخلال عشر سنوات من حكومة بنكيران، كان سيلغي مقومات الدولة المغربية وعلى رأسها إمارة المؤمنين، وسيقصي كثيرا من الشعب لأن مزاجه “الإخواني” لا يقبلهم، وكان سيدخل العشرات السجن لأنهم يخالفونه الرأي.
لو تحقق مطلب الملكية البرلمانية، لكان عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، قد شرع في إعادة تربيتنا من جديد، ولعشنا سنوات نرى فيها كل أنواع الحديد، فعلى الأقل في سنوات الرصاص كانت المعارضة قوية وهي من تتلقى الضربات، أما اليوم فكان رصاص أخنوش سيسقط فوق رؤوسنا مباشرة. لو تحقق هذا الأمر لم يكن أخنوش ليحتاج لكل هذه الأموال الطائلة لشراء وتكوين عشرات وسائل الإعلام، التي تهاجم كل من ينتقده، واستعاض عنها بالعصا الغليظة وبالحديد والنار.
لو تحقق مطلب الملكية البرلمانية لم يكن “وزير التقاشر” سيقف عند حد قمع مسؤول إقليمي لوزارة غير تابعة له، فقط تابعة لوزير من حزبه، ولكن سيأمر النيابة العامة باعتقال كل خصومه، والحمد لله أن النيابة العامة لم تعد تحت إمرة وزير العدل، والحمد لله الذي لم يبق له من الاختصاصات سوى بناء المحاكم وشراء الكراسي.
الملكية البرلمانية هي مقتضى التطور الاجتماعي قبل أن تكون قرارا سياسيا، ولا يمكن بتاتا التفكير فيها قبل أن يصبح رئيس الحكومة مجرد “عامل” لدى دافعي الضرائب بعد أن يدفع هو كل ضرائبه طبعا، وإذا لم يرضى أن يكون خادما عند الشعب فليذهب إلى شركاته ليرعاها، ويصبح الوزير مجرد موظف عند دافعي الضرائب، ولهذا في الدول الديمقراطية يتهرب الناس من الوزارة لأنها مهنة “كادحة” والوزير المعقول لا يستطيع عيش البحبوحة، عكس وزرائنا الذين بتغيير الكاتبات والمكاتب والمسؤولين، قبل أن نصل إلى هذا المستوى من التطور لن تعطينا الملكية البرلمانية سوى “هيتليرات صغيرين” ليس لهم سلطة عليا تردعهم، والحمد لله ما زالت هذه السلطة موجودة وإلا كانوا شرعوا في إعادة “تربيتنا”.