أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة حقوقية شاملة تتضمن أكثر من 100 توصية، تدعو إلى إدخال تعديلات جوهرية على مشروع قانون المسطرة الجنائية. وتهدف هذه التوصيات، التي أعلن عنها المجلس في بيان صحفي ، إلى مواءمة هذا المشروع مع الالتزامات الدولية للمغرب، وتيسير الولوج إلى العدالة، وضمان الإنصاف، فضلاً عن تعزيز مبادئ الشفافية والمسؤولية القضائية.
وأفاد المجلس أن مذكرته توزعت بين 79 توصية محددة تهم مقتضيات بعينها داخل مشروع القانون، و24 توصية عامة تتعلق بقضايا بنيوية واستراتيجية لم يتم التطرق لها في النص الحالي، لكنها تكتسي أهمية قصوى لضمان التوافق مع المعايير الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وشدد المجلس على ضرورة تكريس مبدأ سيادة القانون، بما في ذلك خضوع كل من السلطتين التنفيذية والقضائية لمبدأ المشروعية، ولضوابط الضرورة والتناسب عند اتخاذ أي إجراء من شأنه المساس بالحقوق والحريات. كما أكد على أهمية إرساء أسس العدالة القائمة على المساواة أمام القانون، وضمان الشفافية والمحاسبة، وذلك اتساقاً مع مضامين الدستور المغربي.
في هذا السياق، اقترح المجلس أن يُنص صراحة على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون إخضاعه للحراسة النظرية، مع ضمان حقه في الإبلاغ الفوري بمدتها وإجراءات تنفيذها. كما دعا إلى تمكين المشتبه فيه من الطعن في الحراسة أمام جهة قضائية مستقلة، مما يعزز الرقابة القضائية ويكرّس مبدأ الشفافية.
ومن بين أبرز التوصيات التي تضمنتها المذكرة، التأكيد على ضرورة تمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه منذ لحظة التوقيف، وتقليص مدة الحراسة النظرية، وتوثيق مراحل التحقيق سمعياً وبصرياً، لما لذلك من دور في حماية الحقوق وتفادي أي تجاوزات محتملة.
وأكد المجلس أن ضمان المحاكمة العادلة يجب أن يشكل ركناً لا يمكن المساس به، لأنه أساس لمشروعية المسطرة القضائية برمتها. ودعا إلى تكريس مبدأ التكافؤ بين طرفي الدعوى، من خلال تمكين الدفاع من الاطلاع على ملف الشرطة القضائية قبل إحالته على النيابة العامة، مما يسمح للمحامين بإعداد دفوعهم بشكل فعال، ومواجهة الأدلة في ظروف متكافئة مع سلطة الاتهام.
في ما يتعلق بالمجتمع المدني، دعا المجلس إلى إزالة القيود الإدارية المفروضة على الجمعيات في ممارسة حق التقاضي، مطالباً بإلغاء شرط الحصول على إذن مسبق من وزارة العدل، واعتماد نظام الإخطار بدل الترخيص، في خطوة تهدف إلى تعزيز استقلالية هذه الهيئات وضمان دورها في تتبع ومواكبة القضايا الحقوقية.
كما أوصى المجلس بضرورة إيلاء عناية خاصة للفئات الهشة، بما في ذلك النساء، والأطفال، والأشخاص في وضعية إعاقة، والمهاجرات والمهاجرين، عبر اعتماد مساطر تراعي خصوصياتهم الجسدية والاجتماعية والقانونية. وشدد على أهمية إدراج مقاربة النوع الاجتماعي في حالات العنف ضد النساء، وتوفير الترجمة للأجانب غير الناطقين بالعربية، وتسهيل الإجراءات القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة.
وختم المجلس مذكرته بالتأكيد على أن المسطرة الجنائية ليست مجرد آلية إجرائية، بل هي انعكاس لرؤية المجتمع للعدالة ومكانة الإنسان داخل النظام القانوني. ولذلك، ينبغي أن تكون هذه المسطرة متسقة مع الهندسة الدستورية، وحامية للحقوق والحريات، وفي الآن ذاته، ضامنة للأمن العام وفق قواعد قانونية دقيقة ومتوازنة.
وتأتي هذه التوصيات في سياق النقاش الوطني المستمر حول إصلاح المنظومة الجنائية في المغرب، حيث يأمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن تشكل مذكرته مرجعية لتطوير تشريعات تواكب تطلعات المواطنين وتستجيب للمعايير الدولية.