ليس النقاش حول “مدونة الأسرة” من نافلة القول، وهو يحظى اليوم باهتمام كبير، وتهتم به المنظمات الحقوقية بشكل كبير، حيث نظمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان وفي إطار اتفاقية المساواة بين الجنسين “سيداو” ندوة في الموضوع، لكن يغيب عن هذا النقاش، ليس نقاش الندوة طبعا ولكن عموما، البعد الفكري والثقافي.
الدعوة إلى تغيير مدونة الأسرة جاءت من صاحب الجلالة أمير المؤمنين محمد السادس، الذي قال ذات خطاب إنه بهذه الصفة “لن يحل حراما ولن يحرم حلالا” وبالتالي فإن أي رؤية لتغيير مدونة الأسرة فهي من أجل حماية “الأسرة”، وقد كان جلالة الملك واضحا عندما قال “مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها، لذا نشدد على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضياتها القانونية”.
الغرض، كما نفهم من هذه العبارة، هو الحفاظ على الأسرة باعتبارها المقصد الأسمى من تعديل مدونة الأحوال الشخصية، واستبدالها بـ”مدونة الأسرة”، التي أبانت أيضا عن أعطاب كثيرة، وبالتالي ينبغي تعديلها لكن بمنهجية واحدة، تتكون من عدة ركائز، على رأسها أن الاجتهاد في المغرب يدور مدار الفتوى الصادرة عن المجلس العلمي، الذي يترأسه أمير المؤمنين، وعن الدين الإسلامي وقيم المغاربة وأخلاقهم.
لهذا نعتبر أن أي نقاش حول مدونة الأسرة ينبغي أن يبقى بعيدا عن أي مؤسسة أجنبية، وأصحاب تبني الحقوق الكونية هم أصحاب أجندات في الغالب، لأن القيم لا يمكن أن تكون كونية دون أن تكون محلية، والكوني هو هذا التجلي في المحلي، لكن هذه العبارة تستبطن الدعوة إلى تبني قيم معينة لا تنسجم مع واقعنا وثقافتنا، فلا يمكن أن نوافق نحن المغاربة على ما يجري عند البعض.
تقارير خطيرة تفيد أن دولة أوروبية بلغ فيها المواليد خارج مؤسسة الزواج نسبة تشكل الأغلبية، بمعنى لم تعد هناك أسرة بشكل نهائي، والحديث هنا عن الزواج المقرر في هذا البلد، كما تسربت رسالة بعثتها دولة متقدمة وكبيرة موجهة إلى سفاراتها في مختلف بلدان العالم بغرض دعم المثلية. لا نرى في الكون إلا رجلا وامرأة وما يسمى الجنس الثالث هو مجرد مرض ينبغي علاجه، وأساس المجتمع هو الأسرة.
أي تفكير خارج هذا السياق يخدم أجندات، وطبعا لا نستبعد وجود تيار داخل الحكومة يشجع على ذلك، فلا يعقل أن يقوم وزير العدل عبد اللطيف وهبي بدعم “طوطو”، الذي انتهك الحياء العام في حفلة عامة، والذي بدل أن يستحيي قام بمساندة فتيحة روتيني اليومي، وهذه كلها مقدمات، وفق ما نرى، لحملة أخرى قادمة ضد قيم المغاربة تسبق النقاش حول مدونة الأسرة قصد تمرير قيم خاصة بمجتمعات معينة تحت عنوان “الحقوق الكونية”.