تعيش مخيمات تندوف، الواقعة شرقي الجزائر، على وقع احتقان غير مسبوق، بعد مقتل شابين صحراويين ينحدران من قبيلة “ولاد دليم” برصاص الجيش الجزائري في محيط مخيم الداخلة.
الحادث الذي فجّر موجة غضب واسعة داخل أوساط ساكنة المخيمات، تجاوز حدود التنديد المعتاد، ليصل إلى مطالب صريحة بالانتفاض ضد ما وصفته فعاليات محلية بـ”نظام القمع الذي أسسه إبراهيم غالي تحت غطاء الجبهة الانفصالية وبوصاية جزائرية”.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن أعيانًا بارزين من قبيلة “ولاد دليم”، التي ينتمي إليها أحد الضحايا، خرجوا عن صمتهم بإصدار مواقف حادة غير معهودة، عبروا فيها عن رفضهم المطلق لاستمرار قيادة “البوليساريو” الحالية، مؤكدين تبرؤهم من إبراهيم غالي شخصيًا، الذي وصفوه بـ”العاجز عن حماية أبناء المخيمات والمستقوي بالجيش الجزائري على الصحراويين”.
صدع في الجبهة الداخلية للبوليساريو
التطور اللافت تمثل في دعوة الأعيان أبناء قبيلتهم إلى “الخروج من المخيمات، ووقف أي تعاون أو دعم لقيادة الجبهة”، وهي دعوة وصفها مراقبون بكونها غير مسبوقة، وتشير إلى تفكك داخلي بدأ يضرب البنية القبلية التي لطالما اعتمدت عليها “البوليساريو” في الحفاظ على توازناتها السياسية والاجتماعية داخل المخيمات.
ووفقًا للمصدر ذاته، فإن حالة الغضب تضاعفت بعد عجز قيادة “البوليساريو” عن تسلم جثمان أحد القتيلين من السلطات الجزائرية، في مشهد وصفه أبناء القبيلة بـ”المهين”، معتبرين أن رفض الجزائر تسليم الجثة يُعري هشاشة موقف الجبهة وعدم قدرتها على حماية من تزعم تمثيلهم.
كما عبّر أفراد القبيلة عن امتعاضهم من “تهميش متعمد” تمارسه القيادة ضدهم، خاصة بعد إقالة عبد القادر طالب عمر – أحد أبرز أطر القبيلة – من منصبه كممثل للجبهة لدى الجزائر، في خطوة اعتبروها سياسية بامتياز تهدف إلى تقليص حضور القبيلة داخل مفاصل القرار.
نذر تصدع اجتماعي وانفلات قبلي
ويحذر متابعون للشأن الصحراوي من أن هذا التوتر مرشح للتصعيد، وسط مؤشرات على تفكك التحالفات التقليدية داخل المخيمات، خاصة إذا ما توسعت رقعة الرفض لتشمل قبائل أخرى شعرت بدورها بالتهميش أو الاستغلال من طرف القيادة الانفصالية. كما أن الاتهامات المتكررة بترهيب المعارضين، وتوظيف القوات الجزائرية لضبط الاحتجاجات، باتت تغذي شعورًا عامًا بعدم الأمان داخل أوساط الشباب.
ويتزامن هذا التطور مع تحركات من منظمات حقوقية صحراوية ومنشقين عن “البوليساريو”، طالبوا الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها الكاملة عبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، داعين إلى ضمان حماية سكان المخيمات كلاجئين، وفقًا للمواثيق الدولية، وإدانة الانتهاكات المرتكبة ضدهم سواء من الجيش الجزائري أو من أجهزة الجبهة.
اختبار جديد لقيادة إبراهيم غالي
ويضع هذا الانفجار الاجتماعي قيادة “البوليساريو” أمام أحد أصعب اختباراتها منذ سنوات، إذ لم تعد الانتقادات محصورة في دوائر المنشقين، بل امتدت إلى مكون قبلي له ثقل تاريخي وجغرافي داخل المخيمات. كما أن التبرؤ العلني من القيادة، والمطالبة بالخروج الجماعي، يمثلان تصعيدًا يعكس تحولاً عميقًا في المزاج الشعبي داخل المخيمات، وقد يُنذر، بحسب محللين، بـ”ربيع صحراوي صامت” قد يُغير ملامح الخارطة السياسية للجبهة.
وفي انتظار مواقف رسمية من الجزائر ومن قيادة “البوليساريو”، تبقى الأوضاع مرشحة لمزيد من التوتر، وسط قلق حقوقي إقليمي من تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في المخيمات، وتحولها إلى بؤر قمع وعنف بدل أن تكون ملاذًا آمنا كما تنص على ذلك المواثيق الأممية.