لم يكن صباح جبل توبقال يوماً اعتيادياً. هناك، على ارتفاع 4167 متراً، حيث يعانق النسيم البارد صخور الجبال، ارتفع صوت امرأة عربية للمرة الأولى، ليس عبر مكبرات الصوت أو آلات العزف، بل عبر خطوات ثابتة وقلب مفعم بالإصرار. إنها هدى سعد، المطربة المغربية التي لم تكتفِ يوماً بصوتها وحده لتتحدى الصعاب، بل جعلت من الفن جسراً لعبور الحدود التي رسمها الآخرون.
في صعودها إلى قمة توبقال، بدت هدى سعد وكأنها ترسم لحناً جديداً، لحناً يتجاوز نوتات الموسيقى ليكتب سطراً في سجل الإنجازات النسائية العربية. هناك، حيث الهواء يضيق والصمت يعلو، اتسع الأفق أمامها ليحمل رسالة أكبر من مجرد تحدٍّ رياضي: رسالة الإصرار والأمل، التي تشبه في جوهرها تلك النبرة الصافية التي عودتنا أن نسمعها في أغانيها.
رحلة الصعود لم تكن مجرد مغامرة في الطبيعة، بل كانت مسيرة نحو الداخل، حيث يلتقي الفنان بإنسانيته العميقة. وسط تلك الصخور الوعرة، صقلت هدى سعد عزيمتها، كما تصقل الأوتار صوتاً جميلاً. كل خطوة على سفوح توبقال كانت بمثابة مقطع موسيقي جديد، يضاف إلى سجلها الفني، لكن بلحن خاص: لحن الحرية.
لم ترد هدى من هذه المغامرة إثارة إعجاب الصحافة أو تحقيق سبق إعلامي، بقدر ما أرادت أن تهمس في آذان الشباب والنساء: الفن لا يعيش في القاعات المغلقة وحدها، بل ينبض أيضاً في قلب الجبال، حيث يختبر الإنسان ضعفه وقوته في آنٍ معاً.
لقد وثّقت هدى سعد هذه اللحظات النادرة بعدسات الكاميرا ومقاطع الفيديو، لكنها في الحقيقة وثّقتها أيضاً في ذاكرة جمهورها، الذي اعتاد أن يراها فوق المسارح، لا فوق القمم. ها هي اليوم تؤكد أن القمة لا تكون دائماً خشبة مسرح، بل قد تكون قمة جبل يختبر فيها الفنان ذاته، ويعيد تعريف النجاح على إيقاع نبضه الخاص.
إن بلوغ هدى سعد قمة توبقال ليس مجرد إنجاز رياضي أو حدث عابر، بل هو قصيدة جديدة كتبتها بخطواتها، تقول لنا فيها إن الفن لا يعرف سقفاً، وإن القمم — مهما علت — تظل في متناول من يملك الإيمان بنفسه.
ويبقى السؤال المعلق في الأفق: ما هي القمة التالية التي ستصعدها هدى سعد؟
قد تكون قمةً جديدة في مسارها الفني، أو ربما قمة أخرى في مسارها الإنساني. لكن المؤكد أنها ستصعدها بذات الشغف والإصرار الذي اعتلت به توبقال.