في ظل التوسع السريع للتكنولوجيا الرقمية، يعمل المغرب على إدخال تعديلات جوهرية على مشروعي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، بهدف ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية وتنظيم المعاملات التجارية عبر الإنترنت.
وكشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن الوزارة منكبة على وضع إصلاحات قانونية شاملة لمواجهة التحديات الناجمة عن التطور الرقمي، وذلك من خلال سد الثغرات القانونية، وتعزيز الآليات التشريعية التي تضمن حماية المستخدمين، سواء في المجال الجنائي أو التجاري.
تحولات رقمية وإصلاحات قانونية
وأكد وهبي، في جواب كتابي حول تقنين التجارة الإلكترونية، أن وزارته تدرك أهمية التحولات الرقمية وتأثيراتها على المعاملات التجارية، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى إلى إرساء إطار قانوني حديث يواكب تطورات الجريمة الإلكترونية، مع ضمان حقوق الأفراد في الفضاء السيبراني.
وأضاف أن التعديلات القانونية المقترحة ستركز على تجريم بعض الأفعال المستجدة، مثل الاختراق غير المشروع للأنظمة المعلوماتية، والاحتيال الرقمي، وانتهاك الخصوصية، إضافة إلى تعزيز آليات تتبع وملاحقة المتورطين في هذا النوع من الجرائم.
وتابع أن هذه الإصلاحات تهدف إلى معالجة الإشكالات الناجمة عن تعدد وتشتت النصوص القانونية المطبقة على الجرائم الرقمية، وتوفير إطار قانوني موحد يكفل حماية المستخدمين من عمليات النصب والاحتيال عبر الإنترنت.
التزام المغرب بالمعايير الدولية
وفي إطار سعيه لتعزيز الأمن السيبراني، انضم المغرب إلى اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الإلكترونية في يونيو 2018، مما يجعله جزءاً من المنظومة الدولية الهادفة إلى توحيد السياسات الجنائية في هذا المجال.
وأوضح وهبي أن المملكة تبنّت إطاراً قانونياً يجرّم الاختراق غير المشروع للأنظمة المعلوماتية، والاعتراض غير القانوني للمعطيات، والتلاعب بالبيانات الرقمية، إلى جانب مكافحة الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالنصب والتزوير والاحتيال.
كما وقّع المغرب في مايو 2022 على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية بودابست، الذي يهدف إلى تسهيل تبادل المعلومات بين الدول حول الجرائم السيبرانية، وتعزيز آليات التعاون الدولي في تعقب مصادر الجريمة الإلكترونية.
تنظيم التجارة الإلكترونية ومحاربة النصب الرقمي
وفيما يخص تحديات التجارة الإلكترونية، أشار وزير العدل إلى أن وزارته تعمل على وضع ضوابط قانونية لتقنين التعاملات الرقمية، مؤكداً أن الإصلاحات المرتقبة ستساعد على حماية المستهلكين وتعزيز ثقة المواطنين في المعاملات التجارية عبر الإنترنت.
وأوضح أن من بين المشاكل التي تواجه هذا القطاع هو الفراغ التشريعي الذي يسمح بوقوع عمليات احتيال إلكتروني، مما يجعل من الضروري وضع تشريعات صارمة تضمن حقوق المستهلكين وتحد من المخاطر الناجمة عن ضعف الإثبات الرقمي في النزاعات التجارية.
نحو بيئة رقمية أكثر أماناً
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، تتجه المملكة إلى تعزيز بنيتها القانونية لضمان بيئة رقمية آمنة تحمي الأفراد والمؤسسات من التهديدات السيبرانية. ومن شأن هذه الإصلاحات القانونية أن تضع المغرب في موقع متقدم ضمن الدول التي تتبنى تشريعات حديثة لمواجهة الجرائم الإلكترونية، مع تأكيد التزامه بضمان التوازن بين حماية الحقوق الفردية وتشجيع التحول الرقمي.