إدريس عدار
الحكومة تدبير للسياسة عبر لغة الأرقام، ولن تنفع الأرقام إن كانت مجردة من السياسة وخالية من روح التوقعات ومعرفة التشبيكات، إلا إن كانت حكومة تقنوقراط محصورة في الزمن. والسياسة حرفة وليست هواية كما يعتقد البعض. ومن دخلها بهدف محدد، بمجرد ما يتحقق هدفه يعود كما ولدته أمه. يرجع سيرته الأولى. مظهر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة وهو يحاور البرلمانيين، أكد أن زعيم “تجمع المصالح الكبرى” نسي السياسة بعد ان منحته رئاسة الحكومة. استيقظ على حقيقة ثابتة وهي أنه صاحب شركات كبرى.
في الحديث عن الديمقراطية والمجتمع يتطرق عالم الاجتماع البريطاني توم بوتومور عن مجتمع الصفوة. وعن صفوة الصفوات. مؤكدا أن رجل الأعمال يمكن أن يصل بسرعة إلى هذا المجتمع عكس المناضل “القاعدي”. إلى حدود 2016 كان أخنوش وزيرا مستقلا عن الأحزاب، واليوم يقود أكبر تكتل سياسي بمعيار الأصوات. أغلبية في مجلس النواب وأخرى في مجلس المستشارين وسيطرة على الجهات والمجالس الترابية ومجالس العمالات والأقاليم. ليس من السهل أن تصل عبر المسالك الطبيعية إلى هذه المرتبة في سنوات معدودة سياسيا.
المرتبة التي حصل عليها وصلها عن الطريق السياسة التي دخلها من مجتمع الصفوة. اليوم هو مطالب بأن يرد الجميل. كيف ذلك؟
عبارة لكارل ماركس ستبقى خالدة قال : “القرارات يتم اتخاذها في مكاتب الشركات، والبرلمان هو لممارسة الثرثرة لخداع العامة”، فهم هنا ليس لخدمة مصالحنا ولكن لحماية ثرواتهم. هنا ينقلب أخنوش من سياسي إلى رئيس شركة ويتخيل الحكومة مجرد مقاولة أو تجمع مقاولات.
لقد أكثر الناس الحديث عن بروفيلات الحكومة الجديدة. أخنوش واحد منها.
أعجب لمن يتحدث عن كفاءة وزيرة لأنها تتحدث الانجليزية بطلاقة. من العيب ألا يكون الوزير عارفا بلغات مهمة في العالم، لكن إتقان اللغة لا يمكن أن يصنع من شخص ما وزيرا يفهم السياسات العامة. فحتى “الدليل السياحي المزيف faux guide” يعرف لغات عديدة ومنهم من يتقنها حديثا وقراءة. إن لم تكن قادرا على استيعاب التحولات وأن تكون اللغة مساعدا ستضيع وسط ساحة “جامع الفنا”.
ومن كان مسيسا منهم لم يعط قيمة لمصداقية السياسي مثل ما فعل عبد اللطيف وهبي، الذي أعلن من خلال قناة تلفزية أنه لن يكون وزيرا في حكومة يرأسها أمين عام لحزب سياسي آخر. وفي الأخير قبل الوزارة. المغاربة يقولون “الكلمة هي الراجل”. الرجولة عند المغاربة تعني الموثوقية، التي ينزل منسوبها عندما تنعدم الضمانة الأخلاقية.
فالحكومة سياسية وكان ينبغي أن تكون كذلك، وليس مهما أن يغادرها صاحب شركات، ودمعة المغادرة تعني من سقطت من عينيه، لكن دموع كثيرة تسببت فيها الحكومات التي كان مشاركا فيها، ومن يبكي على الوطن لا يمارس الخديعة من أجل مكاسب شخصية.
بروفيلات غير سياسية أو مقحمة عنوة في السياسة لن تحقق المطلوب في حكومة “منتخبة” سياسيا.