خرج أستاذ من أطر الأكاديميات، أو أستاذ متعاقد بالتعبير الشائع، في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيه خروج مسؤولين بوزارة التربية الوطنية، لكن المثير في الفيديو هو أنه وجه تحذيرا لكل من يريد الركوب على “نضالاتهم” قائلا إنهم قادرون على الدفاع عن “حقوقهم” وليسوا بحاجة إلى آخرين للركوب على قضيتهم، وكان يشير إلى تدخل زكريا المومني، البوكسور السابق، في الملف بعد أن انتهت المواضيع التي يمكن أن يتحدث عنها، وبعد أن باع جلده وعرضه مقابل دينارات لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن تم إلقامه حجرا ليسد فمه.
ليس المهم في هذه الافتتاحية هذا الشخص بعينيه، ولكن المهم هو قضية ركوب موجة الاحتجاجات الاجتماعية، والمتجسدة اليوم أساسا في “الأساتذة أطر الأكاديميات”. فالاحتجاجات في المغرب ظاهرة معروفة وانسيابية، وخارج أوقات الزمن المرضي الذي فرضته كورونا، كان المغرب يعرف متوسط احتجاجات يصل إلى 13 ألف شكل سنويا. يعني 13 ألف ما بين وقفة ومسيرة وإضراب واحتجاج في المغرب كل سنة، وهو رقم كبير جدا.
كثرة الاحتجاجات ليست عنصرا سيئا بقدر ما هي دليل عافية، في بلد ديمقراطي يلتمس نموذجه الخاص، بلد يقر الاحتجاجات لكن ينظمها بالقوانين، ويتصدى لكل محاولة لنشر الفوضى عبر استغلال الشارع العام في تصريف مواقف سياسية عن طريق الاحتجاجات الاجتماعية، التي أصبح يغلب عليها الطابع غير المؤطر بعد أن باعت النقابات نفسها لشيطان السياسة وأصبح لكل حزب تقريبا نقابة، وبعد أن فقدت التنظيمات النقابية مصداقيتها لم يعد أمام التيارات السياسة سوى الاحتجاجات الاجتماعية للركوب عليها.
ذات زمان صدّق عبد السلام ياسين، مؤسس العدل والإحسان، التقارير التي قالت إن المغرب سيعرف انتفاضات اجتماعية سنة 2006 فبنا عليها تطلعاته نحو “قومة” قال إنه رآها في المنام. الغرض من هذا الكلام هو الدليل على وجود تيارات سياسة غير قادرة على إقناع المجتمع بمشاريع واضحة فتلجأ إلى اقتحام الحركات الاجتماعية ومحاولة السيطرة عليها، لكن مع العمل على تغيير مسارها الطبيعي.
لسنا هنا في وارد تأكيد صواب أو عدم صواب خروج الأساتذة للشارع العام، وإن كنا واضحين في الوقوف ضد إغلاق الشارع العام وتضييع مصلحة مواطنين لا مصلحة لهم في هذا الاحتجاج، ناهيك عن معادلة الحق والواجب، أي الاحتجاج وضرورة تعليم أبناء المغاربة.
قد يرى الأساتذة أطر الأكاديميات أنهم أصحاب حق وقد يراهم غيرهم أنهم ليسوا على حق، لكن في الواقع ما يهمنا هو هذا الاستغلال البشع الذي تسعى إليها تيارات سياسية لم تتمكن من مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية، ووجودها وسط هذه الاحتجاجات يضر بشكل كبير بالأساتذة أولا، لأنه يعطل أي قيمة للاحتجاج الذي لن يفلح في فتح ثغرات الحوار وحلحلة المشاكل والأسئلة المطروحة والوصول إلى توافق في هذه القضية التي يوجد من الأوهام أكثر من الحقائق لكنها أوهام من صنع السياسيين.