بينما يشهد السوق العالمي للنفط تراجعًا لافتًا في أسعاره، حيث هبط سعر البرميل إلى ما دون عتبة الـ60 دولارًا، لا تزال أسعار المحروقات في المغرب تُراوح مكانها، مستقرة عند مستويات مرتفعة، وكأن السوق المحلية تعيش في كوكب موازٍ.
في ظل هذا التناقض الصارخ، يتساءل المغاربة: لماذا لا تنخفض أسعار البنزين والغازوال كما يحدث في أسواق أخرى؟ ومن يتحكم فعليًا في تسعيرة المحروقات بعد تحريرها؟
تحرير بلا حماية؟
منذ قرار الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران سنة 2015 تحرير سوق المحروقات، دخلت الأسعار في دوامة عدم الاستقرار، لكن الغريب أن هذا “التحرر” ظل يميل دائمًا لصالح شركات التوزيع، لا المستهلك.
وبعد سنوات من التطبيق، ما زال المواطن يتساءل عن دور مجلس المنافسة، ومؤسسات الرقابة، في ضمان عدالة التسعير.
ففي الوقت الذي تُفترض فيه آلية السوق أن تعكس الأسعار المحلية تحركات السوق الدولية، نجد أن الانخفاضات لا تُترجم على المضخة بنفس السرعة أو الحدة التي تظهر بها الارتفاعات.
شركات تحقق هوامش ضخمة
تقرير سابق لمجلس المنافسة أشار إلى أن بعض شركات التوزيع تحقق أرباحًا تفوق ما هو منطقي، دون مبررات واضحة.
ومع غياب الشفافية في تركيبة الأسعار، تزداد الشكوك حول وجود “اتفاقات ضمنية” بين الشركات لضبط السوق في اتجاه واحد: الزيادة.
وفي ظل هذا الوضع، يلاحظ أن أرباح شركات المحروقات تواصل النمو، رغم التذبذب العالمي، في حين لا يشعر المواطن بأي “تنفيس” على فاتورة الوقود التي تثقل كاهله.
أين الحكومة؟
الحكومة الحالية، برئاسة عزيز أخنوش، تجد نفسها في موقع لا تحسد عليه، خصوصًا وأن رئيسها يمتلك تاريخًا في قطاع المحروقات، ما يجعله في مرمى الانتقادات أكثر من أي وقت مضى.
ورغم الدعوات المتكررة لإعادة النظر في تركيبة الأسعار، أو فرض ضريبة استثنائية على الأرباح المرتفعة للشركات (windfall tax)، إلا أن الحكومة لم تُبدِ أي توجه فعلي للحد من تغول شركات التوزيع، أو إعادة الاعتبار لمبدأ “العدالة الطاقية”.
الشفافية الغائبة
في الدول التي تعتمد آليات التحرير، يتم نشر معطيات دورية حول تركيبة أسعار الوقود، من السعر الخام إلى الضرائب وهوامش التوزيع.
في المغرب، تظل هذه المعطيات محجوبة، في تناقض مع مبدأ الحق في الحصول على المعلومة الاقتصادية.
في النهاية، يظل سؤال بسيط يفرض نفسه: إذا كان النفط قد نزل عن 60 دولارًا، لماذا لا تنزل معه أسعار المحروقات في المغرب؟ الجواب – حتى الآن – لا تجيب عنه لا الحكومة، ولا الشركات، ولا حتى مؤسسات الضبط.
وفيما تظل ملامح “لوبي المحروقات” غير واضحة في التفاصيل، فإن ما هو واضح جدًا هو أن المواطن يؤدي الفاتورة الأكبر… بصمت.