إفريقيا قارة أتعبتها الحروب كما أتعبها الاستعمار. ولهذا يبقى مؤتمر “إسكات الأسلحة”، عنوان القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي، ذو أهمية كبيرة كي تتفرغ دول القارة السمراء للتنمية وبناء الإنسان. وحملت القمة المذكورة مستجدا كبيرا ينبغي الوقوف عنده وينبغي اعتباره تحولا مهما، ويتعلق الأمر بموقف رئيس جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، الذي قبل أن يُسكت السلاح أسكت الأفواه الصارخة بالباطل، إذ أكد على وجاهة القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية المنعقدة بنواكشوط في يوليوز 2018 بنواكشوط.
القرار المذكور يكرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مع إنشاء آلية “الترويكا” لدعم جهود الأمم المتحدة لتسوية هذا النزاع المفتعل. ولم تخرج التعديلات التي أدخلت على هذا القرار عن اعتبار الأمم المتحدة وحدها صاحبة الشأن في حل النزاع.
هذا موقف الاتحاد الإفريقي ولا تبديل فيه. لكن المهم اليوم هو موقف رئيس جنوب إفريقيا، الذي تغير بشكل جذري. كان معهودا في جنوب إفريقيا أن تخالف مواقف المغرب وتوافق مواقف خصومه وكم من الأمور التي قامت بها سواء في الاتحاد الإفريقي أو في الأمم المتحدة لفائدة المرتزقة.
لكن اليوم نحن أمام يقظة ضمير وسعي نحو السلم في المنطقة، وتحول سيغير كثيرا من المعطيات، فبعد أن عرف سحب الاعتراف بالجمهورية الافتراضية تسونامي كبيرا كما هبت كثير من الدول لإقامة قنصليات عامة بمدن الصحراء المغربية، لم يعد أمام كثير من الدول بد من الاعتراف بالواقع.
جنوب إفريقيا تعتبر قوة إقليمية لا يستهان بها بل هي قوة في القارة السمراء وفاعل أساسي، وبالتالي فإن موقف رئيسها اليوم يحمل دلالات كبرى، وهو موقف عميق وصادق وعودة للوعي التاريخي والثقافي والسياسي لهذا البلد، وبين المغرب وجنوب إفريقيا وشائج من المقاومة لا تضاهى، وقد كان الزعيم التاريخي الإفريقي نيلسون مانديلا صديقا للمغاربة، ومنحه الملك الراحل محمد الخامس كمية كبيرة من الأسلحة وقيل إنها سفينة سلاح، وكل هذا الفضل لم يَنْسَهُ الجنوب إفريقيون إلا أن ابتلوا بناكري الجميل المغربي، الذي لم يطلب منهم يوما ما أن يكونوا خصوما لأعداء الوحدة الترابية ولكن أن يكونوا مع الحق وفي الحد الأدنى التزام الحياد.
بعد أن عبر رئيس جنوب إفريقيا عن موقف لم يكن منتظرا هل ستعود الجزائر إلى وعيها وتعترف بأن هناك خطأ ما في القصة، وأن المغرب قدم تنازلات كبيرة، ولا يظنن أحد أن الحكم الذاتي ليس تنازلا؟ ولكن خيارات المغرب كانت دائما مع حل سياسي بفضله يجتمع الإخوة الصحراويون تحت خيمة واحدة اسمها الوطن، هذا المغرب الذي يجمع الشمل، على أرضية حكم ذاتي لأبناء الصحراء يختارون ديمقراطيا من يدير شؤونهم ولهم تقاليد عريقة في هذا المضمار. لم يبق أمام الجزائر سوى أن تعترف بضرورة إنهاء هذه المأساة التي اسمها المحتجزون في تندوف.