أشياء كثيرة يمتلكها أشخاص بعينهم لكنها مشتركة ولا يمكن المساس بها، وأي انتهاك لها يعتبر مسا خطيرا بالثروات المشتركة.
لهذا الكلام داعيان، أولهما الاتجاه نحو التجريم القانوني لتبذير الماء، وثانيهما البيان الصادر عن “الفيدرالية المغربية للفاعلين بقطاع المواشي”، الذي تحدث عن غياب رؤية واضحة من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، للخروج من الأزمة التي يعيشها قطاع اللحوم الحمراء.
يعيش المغرب أزمة ماء حقيقية، ومن المهم جدا صدور قانون يقوم بتجريم تبذير الماء، وهذا الأمر معمول به، وسيكون في وقت الندرة من الأهمية بمكان، حيث يمكن أن ينقذ المغرب من أزمة العطش المحدقة به، وهي أزمة أصبحت واقع العين ولم تعد في المستقبل المنظور، وبالتالي وجب التصدي من اليوم قبل الغد القريب جدا لظاهرة تبذير الماء.
لكن ينبغي أن نقف على الحقائق كما هي ولا ينبغي التمييز في القانون، بل ينبغي ترتيب الجزاءات وفق حجم التبذير ووفق المساهمة في عملية التبذير، ولا يمكن تعليق الأزمة على مشجب الفقراء، فالأزمة بالأرقام ليست وليدة الاستهلاك المنزلي ولا التبذير المنزلي، وما ينبغي له أن يكون أصلا، فالمبذرون موسومون بأنهم “إخوان للشياطين”.
فالأرقام تفيد أن 81 في المائة من الثروة المائية بالمغرب تذهب للزراعات السقوية، وهذا يفوق المعايير الدولية المعمول بها بشكل كبير، حيث إن الحد الأقصى لا ينبغي في أسوإ الأحوال أن يتعدى 70 في المائة، وهو مستوى ينصح بعدم الوصول إليه حتى لا يشعل الضوء الأحمر، والمغرب قد تجاوزه بكثير، بينما لا يتعدى الاستهلاك المنزلي 10 بالمائة، وثلاثة بالمائة للاستعمال الصناعي وباقي الستة بالمائة هي للاستعمال التجاري، يعني ما تستهلكه المطاعم والفنادق والحمامات وغيرها.
لا ينبغي أن تهرب الحكومة في قانون لا يمكن أن يلامس الواقع قبل الاعتراف بالمسؤول الأول عن أزمة العطش. أي الزراعات السقوية، ومنها بالخصوص تلك التي تستنزف الثروة المائية، التي توجه بالأساس للتصدير، والتي كانت السبب في إلغاء كثير من الزراعات، التي كانت تشكل صمّام الأمان في الأمن الغذائي المغربي، وكانت تنتج القمح والشعير والذرة والحمص والعدس والفول، التي تم تعويضها بالأفوكا والفراولة والدلاع وغيرها، بينما أصبحنا نستورد الأساسيات.
في البيان الثاني الذي أصدرته فعاليات المواشي هناك ناقوس خطر. ليس المشكل في الأزمة ولكن المشكل أن تغلق الوزارة الوصية أبوابها في وجه الفاعلين والمنتجين ولا تبحث عن مخرج. الجمعية تدق ناقوس الخطر وتقول إن المغرب أصبح خاليا من رؤوس الأغنام والأبقار المعدة للذبح، بل حتى المعدة للتسمين. خصاص سيؤثر على إنتاج اللحوم والألبان. فهل هذا مجرد تمهيد للقضاء على الثروة الحيوانية واللجوء إلى الاستيراد مثلما تم القضاء على “الهندية” والاتجاه نحو القضاء على الزيتون؟
قال رسول الله (ص): الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلإ والنار. هذه هي الثروة المشتركة لا يمكن شرعا وقانونا المس بها. لكن معالجتها ليست بقانون يشمل الصغار دون الكبار.