كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، في تحقيق استقصائي نشرته مؤخراً، عن ما وصفته بعمليات ترحيل جماعي “لاإنسانية” نفذتها السلطات الجزائرية بحق أكثر من 16 ألف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء، خلال شهري أبريل وماي الماضيين، نحو منطقة صحراوية قاحلة على الحدود مع النيجر، في ظل درجات حرارة تتجاوز أحيانًا 50 درجة مئوية، ومن دون توفير ماء أو غذاء.
ووصفت الصحيفة هذه العمليات بـ”الصامتة”، إذ تجري بعيداً عن الأضواء وبتكتم إعلامي رسمي، وسط غياب شبه تام لتفاعل المنظمات الإقليمية والدولية، على الرغم من ورود تقارير عن وفيات في صفوف المهاجرين خلال عمليات الطرد القسري.
تحذيرات متأخرة وصوت نادر من الداخل
ورغم صمت السلطات الجزائرية، كسر والي منطقة أغاديس في النيجر، الجنرال إبراهيم بولما عيسى، جدار التجاهل، ليؤكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن بلاده تواجه “موجة غير مسبوقة من المهاجرين المرحّلين من الجزائر”، لافتاً إلى أن مراكز المنظمة الدولية للهجرة أصبحت غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة في بلدة أسماماكا الحدودية.
وتقول منظمات غير حكومية، مثل “ألارم فون الصحراء” و”شبكة المغرب-الساحل للهجرة”، إن المهاجرين يُحتجزون في ظروف سيئة، ثم يُرحّلون جماعيًا، أحيانًا بعد تعرضهم لسوء المعاملة، ليُتركوا في مناطق صحراوية نائية، دون أدنى مقومات الحياة.
تصعيد غير مسبوق
وبحسب موقع InfoMigrants المتخصص، فإن عدد المهاجرين المرحّلين في شهري مارس وأبريل 2025 وحدهما يعادل تقريبًا عدد المرحلين خلال النصف الأول من العام الماضي، في إشارة إلى تصعيد غير مسبوق في السياسات الجزائرية تجاه المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
ويأتي ذلك رغم أن الجزائر تُعد طرفًا في اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، لكنها، حسب “لوفيغارو”، لم تعتمد أي نظام وطني لتلقي طلبات اللجوء، ما يجعل وجود هؤلاء المهاجرين على أراضيها غير قانوني بحكم الأمر الواقع، ويعرضهم للاستغلال في قطاعات غير مهيكلة، خاصة في أوراش البناء بمدينة وهران، وفق شهادات صحفيين محليين.
صمت رسمي وإعلامي
ورغم تزايد عمليات الترحيل، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن الإعلام الرسمي الجزائري يتجنب التطرق لهذه المسألة، نظراً لحساسية الموضوع وارتباطه المباشر بجهاز الجيش، الذي يُشرف على تنفيذ عمليات الترحيل، ما يجعل الحديث عنه “خطاً أحمر”، حسب وصف التقرير.
ويوثق التحقيق حالات لمهاجرين طُردوا بالقوة، كما ظهرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر مطاردات عنيفة ومشاهد صادمة لمهاجرين تعرضوا لهجمات في الجنوب الجزائري.
ازدواجية المعايير؟
وينقل التحقيق شهادات تُشير إلى تمييز في معاملة المهاجرين، إذ يتعرض ذوو البشرة السمراء لسوء معاملة مقارنة بلاجئين من دول عربية مثل العراق وسوريا وليبيا. ويضيف الصحفي الجزائري داود إمولاين: “بمجرد أن يكون لون بشرتك داكنًا، يتم طردك دون تردد”.
ويعلق السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، كزافيي دريانكور، على ذلك قائلاً: “منظمات حقوق الإنسان في أوروبا تصمت، رغم أن الجزائر تواصل إعطاء دروس في حقوق الإنسان للغرب”.
تزايد في وتيرة الطرد وسط صمت إفريقي
وتثير الأرقام المعلنة القلق؛ إذ تم ترحيل نحو 27 ألف مهاجر بين 2015 و2018، وارتفع العدد إلى أكثر من 31 ألفاً سنة 2024 وحدها، وفق إحصائيات نقلها التحقيق، وسط غياب أي رد فعل من الاتحاد الإفريقي، أو منظمات إقليمية مثل “الإيكواس” ومجموعة دول وسط إفريقيا.
ويؤكد مدير الوكالة الفرنسية للهجرة والاندماج، ديدييه ليشي، أن الجزائر لا تسمح للعديد من المنظمات الدولية بالعمل على أراضيها، ما يُصعّب مهمة توثيق الانتهاكات، مضيفًا: “الجزائر تُخفي سياستها القمعية عن الخارج، ولا أحد يُحاسبها”.
سؤال أخلاقي وإنساني
وإذ يُسلّط التحقيق الضوء على غياب آليات حماية فعالة للمهاجرين داخل الجزائر، يطرح تساؤلاً أكبر حول المسؤولية الأخلاقية للدول والمنظمات الدولية، ودور الصحافة الحرة في كشف الانتهاكات، وتوثيق مسارات الظلم الذي يتعرض له آلاف الأشخاص فقط لأنهم يبحثون عن طريق نحو الأمان.