كشف “مؤشر التطور الرقمي 2025” الصادر عن جامعة أمريكية، أن المغرب احتل المرتبة 81 من بين 125 اقتصادا تم تصنيفهم من حيث زخم التحول الرقمي، بمعدل تطور بلغ 61.52 نقطة. وتكشف هذه الوضعية المتوسطة أن البلد قد أحرز بعض التقدم، لكن الزخم الذي يواكب هذا التطور لا يزال محدودا مقارنة بدول أخرى في نفس الفئة من الاقتصادات الناشئة.
وتزداد الصورة تعقيدا عند النظر إلى مؤشر “حالة التطور الرقمي”، والذي يقيس مدى نضج الاقتصاد الرقمي في الدول. فبحسب نفس التقرير، جاء المغرب في المرتبة 87 من أصل 125 دولة، محققا 40.64 نقطة فقط في هذا المؤشر، مما يضعه في النصف الأدنى من الترتيب العالمي. ويشير هذا الترتيب إلى أن المغرب لا يزال يعاني من فجوات كبيرة في البنية التحتية الرقمية، وتغطية الإنترنت، واستيعاب التكنولوجيا داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، إضافة إلى تحديات مرتبطة بثقة المواطنين في البيئة الرقمية وضعف تكوين رأس المال البشري الرقمي.
ويشير التقرير إلى أن حقبة ما بعد جائحة كوفيد-19 لم تكن، كما اعتقد البعض، فترة تسارع عالمي شامل في التحول الرقمي، بل سجلت تباطؤا نسبيا في معظم البلدان. فقد انخفض متوسط معدل النمو السنوي المركب للتحول الرقمي من 4.3 بالمائة قبل الجائحة (2016-2019) إلى 2.4 بالمائة بعدها (2021-2023). ولم يشذ المغرب عن هذه القاعدة، حيث لم يتمكن من الاستفادة الكاملة من الفرص التي أتاحتها فترة الإغلاق الوبائي لتطوير قدراته الرقمية بشكل استراتيجي، باستثناء بعض القطاعات مثل الخدمات البنكية التي شهدت نموا في الدفع الإلكتروني، والتعليم عن بعد الذي برز كحل ظرفي أكثر منه توجها مؤسسيا دائما.
ويبرز التقرير أن الدول التي حققت تطورا ملحوظا في مؤشر الزخم الرقمي كانت إما مدفوعة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، أو بمبادرات حكومية قوية لتحفيز التحول الرقمي، أو بتبني واسع من طرف المواطنين لخدمات رقمية مبتكرة مثل المدفوعات بدون تلامس والعمل عن بعد. وبالنظر إلى التجارب الناجحة في دول مثل الصين وفيتنام والهند، التي تصدرت ترتيب الزخم الرقمي حسب المؤشر، يبدو واضحا أن الإرادة السياسية والاستراتيجية الشاملة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والابتكارية تُعد من بين أهم العناصر التي تحسم موقع الدول على خارطة الاقتصاد الرقمي العالمي.
في المقابل، فإن التقرير يضع أمام المغرب تحديا مزدوجا: الحفاظ على زخم التحول الرقمي الذي تحقق حتى الآن، والارتقاء بسرعة وفعالية إلى مراتب أعلى من النضج الرقمي، بما يستجيب لتطلعات المواطنين، ومتطلبات التنمية، وتحديات المستقبل القريب.
و تعرض الموقع الإلكتروني لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات لهجوم سيبراني أسفر عن تسريب معطيات حساسة تخص ملايين الأجراء المغاربة المسجلين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى جانب بيانات مهنية وشخصية لما يقارب 500 ألف مقاولة عاملة في مختلف القطاعات.
الهجوم السيبراني، الذي تبنته مجموعة تطلق على نفسها اسم “جبروت”، قال أفرادها إنهم جزائريون، فتح الباب على مصراعيه أمام موجة واسعة من الجدل والغضب الشعبي، وسط صمت رسمي مطبق من الجهات الحكومية المعنية، في الوقت الذي بدأت فيه أصوات برلمانية وسياسية ترتفع للمطالبة بتوضيحات عاجلة حول ملابسات الواقعة وتداعياتها على الأمن الرقمي وحماية البيانات الشخصية للمواطنين.
بحسب المعطيات المتداولة، فإن الهجوم أدى إلى تسريب معلومات تفصيلية تتعلق بالأجور، أرقام الضمان الاجتماعي، بيانات الاتصال، وأسماء الأجراء العاملين في مختلف القطاعات، وهو ما يشكل ضربة موجعة للأمن السيبراني الوطني، لا سيما أن المستهدف في هذه العملية هي قاعدة بيانات تتعلق بمؤسسة وطنية حيوية تُعنى بحقوق الأجراء وحمايتهم الاجتماعية.
الأكثر إثارة للقلق، أن هذه التسريبات أصبحت متاحة بشكل علني على شبكة الإنترنت، ما يفتح المجال أمام استغلالها لأغراض إجرامية، تجارية أو حتى سياسية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية بين المغرب والجزائر، التي تضفي بُعدًا جيوسياسيًا على الحادثة.
رغم جسامة الحدث، لم تُصدر وزارة الإدماج الاقتصادي أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي بلاغ رسمي يؤكد أو ينفي صحة الوثائق المسربة، كما لم يتم الإعلان عن تحقيق داخلي أو اتخاذ إجراءات فورية لحماية المتضررين، وهو ما زاد من حدة الغضب لدى الرأي العام، خصوصًا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن ما وقع يمثل “فضيحة دولة” تستدعي محاسبة المسؤولين عنها.
وفي أول تفاعل سياسي مع الواقعة، وجّه عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، سؤالًا شفويًا آنيا لوزير التشغيل يونس السكوري، طالب فيه بكشف ملابسات الاختراق السيبراني الذي طال الموقع الإلكتروني للوزارة، وتحديد الأضرار التي ترتبت عنه، والإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
وأكد بوانو في سؤاله أن الاختراق يُعد تهديدًا حقيقيًا للأمن السيبراني الوطني، وينذر بخطورة تعرض بيانات المواطنين والمؤسسات العمومية والخاصة للاختراق أو الاستغلال من جهات أجنبية أو داخلية.
لم يقتصر تأثير التسريب على الجانب الأمني فحسب، بل سرعان ما تحوّل إلى مادة للنقاش الاجتماعي، خصوصًا بعد الاطلاع على تفاصيل الأجور التي يتقاضاها عدد من الموظفين في قطاعات مختلفة، حيث عبّر كثير من المغاربة عن استيائهم من التفاوت الكبير في الرواتب، ومن وجود أجور خيالية في قطاعات معينة مقابل أجور زهيدة في قطاعات أخرى.
هذا الجانب من التسريبات أعاد إلى الواجهة ملف العدالة الأجرية وضرورة إصلاح المنظومة الحالية لتوزيع الرواتب، بما يضمن الإنصاف ويقلص من الفوارق الاجتماعية المتفاقمة.
وبينما يتوسع نطاق الجدل، يحذر خبراء في الأمن السيبراني من إمكانية استغلال هذه البيانات في حملات تصيّد إلكترونية، أو محاولات انتحال هوية، أو حتى لأغراض تجارية وشخصية، في ظل غياب تشريعات حازمة وتدابير فعالة لحماية المعطيات الرقمية.
ويعتبر مراقبون أن ما حدث يجب أن يشكل ناقوس خطر حقيقيًا يدعو الدولة إلى الاستثمار الجدي في الأمن السيبراني، وتكوين الكفاءات القادرة على تأمين البنية الرقمية للقطاعات الحساسة، و لم تصدر الحكومة أي بيان رسمي للرد على الاتهامات أو لطمأنة المواطنين، مما يعمّق الإحساس بعدم الثقة في قدرة المؤسسات على حماية المعطيات الشخصية، ويزيد الضغط على الوزير يونس السكوري للخروج بتوضيحات شافية حول هذا الخرق الكبير، في الوقت نفسه، يرتقب أن تشهد الجلسات البرلمانية المقبلة مواجهة حادة بين نواب المعارضة والحكومة بشأن هذا الملف، وسط مطالب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية أو فتح تحقيق قضائي مستقل لتحديد المسؤوليات.
و تأتي هذه الفضيحة في وقت تدفع فيه الدولة المغربية بقوة نحو رقمنة الإدارة وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية، إلا أن الحادثة الأخيرة تعكس الهوة الكبيرة بين الطموح الرقمي والبنية الأمنية المواكبة له، وإذا لم يتم التعامل مع هذا الملف بحزم وشفافية، فإن أزمة الثقة في المؤسسات الرقمية قد تتفاقم، وهو ما قد يُعرقل طموحات المغرب في التحول إلى اقتصاد رقمي فعّال وآمن.
و تحرص اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي على تحسيس كافة فئات العموم بشأن المخاطر المرتبطة باستخدام البيانات ذات الطابع الشخصي، التي قد تكون مسربة أو منشورة على قنوات غير مرخصة، وذلك على إثر سلسة هجمات سيبرانية أدت، على الخصوص، إلى تسريب معطيات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وذكرت اللجنة، في بلاغ لها، بأن المعالجة القانونية للبيانات الشخصية تستند إلى الموافقة الصريحة للشخص المعني، أو إلى إطار قانوني مسموح به بموجب القانون رقم 08-09، مضيفة أن كل معلومة متحصل عليها خارج هذا الإطار تعتبر غير مشروعة، ويشكل استعمالها مخالفة.
وفي هذا الصدد، أشارت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي إلى أنها تتمتع، على وجه الخصوص، بصلاحيات التحري والتحقيق، بموجب المادة 30 من القانون 09-08 ، الذي يخولها التحقق من أن المسؤولين عن معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي يقومون بهذه المعالجة وفقا للقانون 09-08، وأن المعطيات ذات الطابع الشخصي المعالجة محمية على نحو مطابق لأحكام المادة 24 من القانون 09-08.
وعلى هذا الأساس، وطبقا للمهام المنوطة بها، تؤكد اللجنة استعدادها لتلقي ومعالجة شكاوى كل شخص ذاتي يعتبر نفسه ضحية لتسريب أو نشر غير قانوني للمعطيات الشخصية، وستفتح تحقيقا للتأكد من مدى مطابقة معالجة البيانات المذكورة لمقتضيات القانون رقم 09-08 ونصوصه التطبيقية، خاصة في ضوء عمليات التحقق الأولية المنجزة من قبل بعض الفاعلين، والتي مكنت من رصد بعض الوثائق المسربة، المنسوبة إلى هذا الهجوم السيبراني، والتي تبين أنها مضللة وغير دقيقية أو مبتورة في كثير من الأحيان.